وجود الله تعالى بين الفطرة والدليل
الموضوع الرابع عشر
هل لهذا العالم من إله ولقد تعرض هذا العالم " روبرت موريس ميج " .إلى بعض العوامل التي تؤدي إلى ضلال العقول، وانحرافها عن التفكير السليم من جهة أنها قد تهمل بعض قواعد المنهج في الوصول إلى بعض الحقائق الكونية، وسعد من هذه المقدمة إلى القول بأن الإنسان يخطئ منهجياً أحياناً حين يتعرض إلى قضية وجود الله ، فيؤدي به هذا الخطأ إلى إنكار هذا الوجود في نفس الوقت الذي لا يستطيع أن يتخذ من العلم شاهداً لهذا الإنكار، ولا من المنهج الصحيح معضداً للرفض أو الإلحاد. يقول الأستاذ "روبرت موريس بيج " جواباً عن السؤال الذي وجه إليه وطلب منه أن يجيب عنه ـ هل لهذا العالم من إله ؟ تحت عنوان : "اختيار شامل". يتطلب اختيار صحة فرض من الفروض تهيئة ظروف معينة مناسبة، وذلك للحصول على نتائج يوصل إليها هذا الفرض، على أساس أنه فرض سليم. وعلى ذلك فإنه لاختبار صحة فرض معين ينبغي أن تتوافر شروط ثلاثة: 1ـ ظروف معينة. 2ـ تحقيق نتائج تتفق مع سلامة هذا الفرض. 3ـ التسليم بصحة هذا الفرض حتى يثبت عكس ذلك. أما الشرطان الأولان فلا يدور حولهما جدال، وأما الشرط الثالث فإنه كثيراً ما يهمل عند اختيار صحة الفرض رغم أهميته البالغة. وفي بعض الأحيان يتطلب صحة بعض العروض ملاحظات قد لا تتوافر أو تتيسر لشخص معين، فإذا فرضنا مثلاً أن شخصاً لا يستطيع أن يلاحظ إلا الأشياء التي تكون كافية على وجه المحيط، فإن مثل هذا الشخص يعجز عن مشاهدة الأشياء التي تطير في الهواء أو تغوص في الماء، فبينما هو يدرك التي تسبح على سطح الماء كالسفن الكبيرة والصغيرة والبقايا العضوية الطافية والطيور عندما تحلق فوق سطح الماء، فإن الطيور والطائرات التي تطير في الهواء، والأسماك والغواصات التي تسبح في جوف الماء، تعتبر غير موجودة بالنسبة إليه فإذا ظهر لهذا الشخص طائر يكون قد هبط من الهواء إلى سطح الماء، أو جسم مغمور خرج من جوف الماء إلى سطحه، فإن ذلك يعتبر بالنسبة لهذا الشخص بمثابة ظهور شئ جديد من العدم، وبالعكس إذا اختفى جسم كان على سطح الماء بأن طار في الهواء أو غاص في الماء، فإن هذا الشخص يعتبر هذه الظاهرة فناء أو زوالاً . وهو سوف يجد أن هناك بعض الظواهر يستطيع أن يفهمها فهما واضحاً وتلك الظواهر التي تتصل بالأجسام الطافية على سطح الماء. ولكن سوف تصادفه ظواهر أخرى لا يستطيع لها فهماً أو إدراكاً، وتلك هي التي تتعلق بظهور بعض الأجسام فجأة على سطح الماء أو اختفائها فجأة من فوق سطحه. فإذا قابل هذا الشخص شخصاً آخر يستطيع بطريقة ما أن يلاحظ الأشياء التي تطير في الهواء، أو تتحرك في جوف الماء ، فإن كثيراً من الظواهر التي شاهدها الشخص الأول، وعجز عن أن يجد لها تفسير يمكن شرحها وإدراك أسرارها بمساعدة الشخص الثاني، ومع ذلك فإن الشخص الأول قد يواجه بعض الصعوبات في إدراك بعض المعاني الأساسية التي تعينه على فهم الموضوع مثل الطيران في الهواء أو الغوص في الماء، وسوف يميل هذا الشخص بطبيعة الحال إلى التشكك في قول صاحبه حتى يتبين له بطريقة من الطرق صحة المعلومات التي يقدمها له. وقد لا يكون ذلك أمراً هيناً، ورغم ذلك فإن صاحبه يستطيع أن يثبت له صدقه بأن يتنبأ له في ضوء ما يراه " مما يعجز الشخص الأول عن ملاحظته" ببعض الظواهر والأشياء التي تتحقق فعلاً . ولننتقل بعد هذه المقدمة الموجزة إلى فكرة وجود الله، ودعنا نعتبرها الآن كما يعتبرها البعض مجرد فرض، فإذا أردنا أن نختبر صحة هذا الفرض، فلابد أن نسلم أولاً، ولو مؤقتاً بأنه فرض صحيح سواء أكنا نعتقد في ذلك أم لا نعتقد فإذا لم نسلم بصحة هذا بأنه الفرض فإننا نعجز عن الوصول إلى اختبار حقيقي له. ولابد لنا أن نسلم فوق ذلك بما يسلم به الكثيرون من أن قدرتنا على الملاحظة لا تستطيع أن تمتد لغير جزء ضئيل نسبياً من الحقيقة الكلية فالإله الذي نسلم بوجوده لا ينتمي إلى عالم الماديات ولا تستطيع حواسنا المحدودة أن تدركه، وعلى ذلك فمن العبث أن نحاول إثبات وجوده باستخدام العلوم الطبيعية لأنه يشغل دائرة غير دائرتها المحدودة الضيقة، فإذا لم يكن للإله وجود مادي فلابد أن يكون ذلك الإله روحانياً، أو هو يوجد في عالم من الحقيقة غير ذلك العالم الفيزيقي على أية حال، وبذلك فإنه لا يمكن أن نجده تلك الأبعاد الثلاثة، أو أن يكون خاضعاً للقيود التي نعرفها. ولابد لنا أن نسلم أن هذا الكون المادي الذي يخضع لقيود الزمان والمكان ليس إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة الكبرى التي ينطوي عليها هذا الوجود. فإذا سلمنا بوجود الله فلابد أن نسلم بقدرته على أن يكشف لنا بعض الحقائق الغيبية التي لا نستطيع أن ندركها لقصورنا (1). |
عدل سابقا من قبل mmaarrooaann في السبت 21 يناير 2012, 3:40 pm عدل 1 مرات