أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى
، إنه اسم ( الرزاق )
فالله سبحانه
وتعالى سمّى نفسه ( الرزاق ) في الكتاب وفي السنة ، ففي الكتاب في قوله تعالى :
" إن الله هو الرزاقٌ ذو القوةِ المتين" ( سورة الذاريات)
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) . [ الترمذي ]
هذا الاسم الكريم ورد مطلقاً ومعرفا بـ ( ال )مراداً به العلمية ، دالا على كمال الوصفية..
وصيغة هذا الاسم صيغة مبالغة ، وإذا جاءت أسماء الله الحسنى بصيغة المبالغة فتعني
شيئين : تعني كَمًّا ، وتعني نوعاً ، الله عز وجل يرزق من يشاء بغير حساب ، ويرزق النملة
السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، يرزق كل المخلوقات ، لذلك الله عز وجل
يقول : " وما من دابةٍ في الأرضِ إلا على الله رزقها " سورة هود
فالإنسان إذا عرف الله فهذا رزق من الله ، فإذا ألقى الله في قلب الإنسان الأمن فهذا من رزق
الله ، الأمن رزق ، إذا ألقى الله في قلبك الرضا هذا رزق ، إذا ألقى الله في قلبك السكينة فهذا
رزق ، إذا ألقى الله في قلبك الرحمة فهذا رزق ، لذلك الأرزاق أوسع بكثير من أن تكون مالاً أو
صحة أو طعاماً وشراباً .
الرزق هو الشيء الذي تنعم به ، فنعمة الأمن من أعظم الأرزاق ، والرضى من أعظم الأرزاق ،
والصحة من أعظم الأرزاق ، لذلك العلماء أشاروا إلى ما يسمى الرزق السلبي ، حينما تعافى
من جميع الأمراض فهذا رزق سلبي ، يمكن أن يدفع الإنسان الملايين لمعالجة جسمه من
مرض عضال ، حينما ينجو الإنسان من ظلم ظالم قد يبدد المال كله ، هناك رزق سلبي ، وهو
من خصائص المؤمنين ، فإذا نجاك الله من أمراض عضالة ، من ظلم الظالمين فهذا رزق .
فلذلك الرزق أوسع بكثير من أن يكون طعاماً وشراباً ، أو من أن يكون مالاً ، لذلك إن الله يعطي
الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه
المؤمنين ، السكينة رزق ، كما أن المال رزق ، والجمال رزق ، والصحة ، والقوة والسكينة رزق ،
والرضى رزق ، والحكمة رزق. قال تعالى " ومَن يُؤتَ الحكمةَ فقد أُوتِيَ خيراً كثيراً "
أيها المسلمون والمسلمات من معاني الرزاق أنه خلق الأرزاق ، كم من الدواب يذبح كل يوم
على مستوى الأرض ؟ مليارات ، هذا رزق العباد ، كم من أطنان القمح ينتج كل عام ؟
إذًا الله عز وجل رزاق ، مَن خلق هذا القمح ليكون غذاء كاملا ؟ الله جل جلاله ،
مَن جعل سوق القمح غذاء نموذجيا كاملا للدواب ؟ الله جل جلاله ، التبن الذي هو سوق القمح
هذا غذاء إستراتيجي للأنعام ، من صمم القمح ليكون غذاء كاملاً ؟ عدد أنواع القمح بعشرات
الألوف ، هذا القمح ينبت في الصيف والشتاء ، وفي قمم الجبال وفي الوديان والصحاري
والسواحل ، وفي المنطقة الحارة والباردة ، أنواع منوعة رزقا للعباد ، الله عز وجل جعل هذا
الغذاء كاملا ، من أعطى هذه الدابة القدرة على إنتاج الحليب ؟
هذا الحليب الذي وهبنا الله إياه عن طريق الأنعام غذاء كامل ، ما شرب النبي عليه الصلاة
والسلام من هذا الحليب شيئاً إلا قال : اللهم زدنا منه ، مشتقات الألبان غذاء أساسي للإنسان
، من صممه ؟ من خلقه ؟ الله جل جلاله .
هذه الفواكه التي ترونها من صمم أنها تنضج خلال صيف بأكمله ، لماذا القمح ينضج في يوم
واحد ؟ والفواكه تنضج على مدى الصيف ؟
هذا معنى اسم ( الرزاق ) ، من خلق هذه البقرة ؟ إنها معمل صامت رائع ، تأكل الحشيش
فتعطيك الحليب ، من خلق الدجاجة تأكل كل شيء فتعطيك البيضة ؟ من خلق هذه الفواكه
والثمار؟ هذه الخضراوات ؟ من خلق المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص ؟ من جعل
هذه المواد متوافقة أتم التوافق مع بنية الإنسان ؟ لو أن التفاحة مثلاً بقوام لا يقطع بأسنانك
ماذا تفعل ؟ لو أن طعم التفاحة لا يحتمل لا تأكلها ، لو أن شكلها لا يعجبك لا تأكلها ، الشكل
مناسب ، والطعم مناسب ، والقوام مناسب ، وفيها معادن ، وفيها حديد ، وفيها مغنيزيوم ،
ومواد سكرية ، وحجم معتدل ، ولها قشرة تحميها من العطب ، هذا تصميم من ؟ لذلك أيها
الإخوة ، قال تعالى : " فليَنظُرِ الإنسانُ إلى طعامه * أنَّا صبَبْنَا الماءَ صباً * وشققنا الأرضَ شقاً "
( سور عبس )
وأحد أسباب كسب الرزق خبراتك ، والخبرات التي تملكها إما خبرات في الطب ، أو الهندسة ،
أو الفيزياء ، أو الكيمياء ، أو الرياضيات ، أو الفلك ، أو في صنعة ، أو في حرفة ، أو في مهارة ،
أو في شيء آخر ، فكلّ إنسان يعيش بالخبرة التي يملكها من حرفة يحترفها ، من مهنة يمتهنها
، فهي خبرات متراكمة .
إذاً : الله عز وجل فضلاً على أنه خلق لك الأرزاق ، وجعلها متوافقة توافقا تاماً مع خلق الإنسان ،
أعطاك وسائل لكسب الرزق ، كل واحد منا له عمل ، والعمل بفضل مهارات يملكها وخبرات ،
هذا بالتجارة ، هذا بالصناعة ، هذا بالزراعة ، هذا بالطب ، هذا بالهندسة ، هذا بالتدريس ، هذا
بالفيزياء ، بالكيمياء ، بالحقوق لحل مشكلات الناس ، كل إنسان يعيش من حرفة ، من مجموعة
خبرات متراكمة يستخدمها لكسب المال ، إذاً : الله عز وجل جعل لك معايش ، والآية دقيقة: قال
الله تعالى : " وجعلنا لكم فيها معايش " ( سور الأعراف )
لكن الرزق أيها المسلمون والمسلمات له سببان أساسيان ، أن تأخذ في أسباب الرزق ، ثم
تتوكل على الله .
السبب الأول : الأخذ بالأسباب :
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ
عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ )) . [ أبو داود وأحمد ]
أن أسعى ، أن أخرج من البيت ، أن أقرأ الصحف التي فيها إعلانات لأعمال ، أن أتحرك .
السبب الثاني : التوكُّل على الله :
ثم أتوكل ، لذلك لما سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج فقال : << من أنتم ؟
قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
يدرس ، يجمع الخبرات ، يطرق أبواب الوزارات ، أحياناً يفتح الصحف التي فيها إعلانات عمل ، هذا
هو السعي ، وبعدئذ يتوكل على الله عز وجل .
أول أسباب زيادة الرزق "الاستقامة على أمر الله" ، فقد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية قال الله
تعالى : " وأَلَّوِ استقاموا على الطريقةِ لأسقيناهم ماءً غدقاً "
ثاني اسباب زيادة الرزق "الإيمان والتقوى" قال الله تعالى : " ولو أن أهلَ القرى آمنوا واتقوا لفتحنا
عليهم بركاتٍ من السماءِ والأرضِ "
ثالث أسباب زيادة الرزق "الصلاة" قال الله تعالى " وأْمُرْ أهلكَ بالصلاةِ واصطبر عليها " " لا نسئَلٌكَ
رزقاً نحنُ نرزقُكَ "
رابع أسباب زيادة الرزق الاستغفار "الاستغفار" قال الله تعالى : " فقلتُ استغفروا ربَّكُم إنه كان
غفاراً * يٌرسِلِ السماءَ عليكم مدراراً * ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم
انهاراً"
خامس أسباب زيادة الرزق صلة الرحم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ
يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ ـأي في أجله ـ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) . [ البخاري ، مسلم ، أبو
داود ، أحمد ]
سادس أسباب زيادة الرزق إقامة القرآن " قال الله تعالى : " ولو أنهم أقاموا التوراةَ والإنجيلَ
وما أنزلَ إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحتهم "
أيها المسلمون والمسلمات ، لا بد من التأكيد أن الاستقامة على أمر الله ، والإيمان بالله ،
والتقوى ، وصلة الرحم ، وإقامة منهج رسول الله ، والاستغفار هذه كلها من أسباب زيادة الرزق
، وكل واحد منا حريص على زيادة رزقه ، ولكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً هو أن
الله قطَع البشر عن أن يكون لهم دور في إنهاء حياة بعضهم بعضاً ، وفي رزق بعضهم بعضاً ،
كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرب أجلاً ، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما
اتقى ، وما عند الله لا ينال بمعصية الله ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر ،
ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل
، وأن تعصيه وتعز ، سبحانك لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، وهذه وسائل السلامة
والسعادة ، وزيادة الرزق ، والله سبحانه وتعالى هو الرزاق ، ولكن للرزق له قواعد بينها القرآن
الكريم ، وبينتها سنة سيد المرسلين..