أعلن العقيد معمر القذافي في تسجيل صوتي بثه التلفزيون الليبي
أمس، أنه سيبقى في طرابلس «سواء حياً أو ميتاً»، وتعهد القتال حتى
النهاية. وقال في الكلمة القصيرة: «أمامنا خيار واحد، وهو بلادنا، ونحن
فيها للنهاية... موت... حياة، لا يهم». ودعا أنصاره إلى التوجه إلى مجمع
باب العزيزية، حيث مقره الذي تعرض لقصف عنيف.
وتابع القذافي، الذي تحدث للمرة الأولى منذ أسابيع، متوجهاً إلى التحالف
الدولي الذي يطالبه بالرحيل: «لن نخضع أبداً، لن تستطيعوا هزيمة شعب مسلّح
(..) ستثور بنغازي ودرنة وطبرق والبيضا والجبل الأخضر، سيكون هناك فدائي
تحت كل شجرة في الجبل الأخضر، إلى الأمام بالزحوف المليوني شرقاً وغرباً».
وأضاف: «أتكلم والقصف بجانبي لكن روحي بيد الله لا أفكّر في الموت أو
الحياة بل القيام بالواجب».
وجاء موقف القذافي في ظل تصعيد غير مسبوق لغارات حلف شمال الأطلسي
(الناتو) على العاصمة الليبية، وخصوصاً على مقره في باب العزيزية. ونقلت
وكالة «رويترز» عن مسؤول ليبي، أن غارات حلف الأطلسي استهدفت مجمعين للحرس
الشعبي الليبي وقوات الحرس الثوري في طرابلس أمس. وتصاعدت أعمدة الدخان بعد
غارات نهارية نادرة على وسط العاصمة استمرت نحو نصف الساعة قبل ظهر أمس.
ويبدو أن بعض القنابل أصاب المنطقة المحيطة بمجمع باب العزيزية حيث يقيم
الزعيم الليبي.
وقال مسؤول ليبي تحدث عبر مكبّر للصوت في فندق يقيم به صحافيون أجانب،
إن الغارات استهدفت مجمعاً للحرس الشعبي وآخر للحرس الثوري. ولم يذكر
تفاصيل عن إصابات، وقال إنه يستحيل على الصحافيين زيارة المكانين، لأنه لا
يُسمح للمدنيين بدخولهما.
وأوردت وكالة الجماهيرية الليبية الرسمية في نبأ لها، أن «مواقع مدنية
وعسكرية بمدينة طرابلس تتعرض لقصف متواصل من عدوان الناتو الصليبي منذ صباح
اليوم الثلثاء (أمس)». ونقلت عن ناطق رسمي، «أن الناتو الصليبي قصف باب
العزيزية أكثر من 12 مرة منذ الصباح الباكر، بأكثر من 50 صاروخاً... كما
قصف أربعة مواقع مدنية وعسكرية في عين زارة بشعبية طرابلس... وقصف الناتو
أيضاً مبنى مقر الأمن الداخلي في شارع الجمهورية، الذي يقع في حي سكني يضم
عدداً كبيراً من بيوت وعمارات المواطنين التجارية والحرفية».
وتزايدت وتيرة هجمات حلف شمال الأطلسي على طرابلس والمناطق المحيطة بها في الأيام الأخيرة.
وبث التلفزيون الليبي الإثنين، أن قوات الحلف التي تقصف أهدافاً تابعة
للحكومة الليبية منذ آذار (مارس) الماضي، قصفت منطقة الكرامة. وقال في وقت
لاحق إن محطة اتصالات تعرضت للقصف. وأضاف التلفزيون أن القوات دمّرت مركز
اتصالات يقع إلى الغرب من طرابلس، وأن هذا المركز مدني يوفّر الاتصالات
الأرضية لبعض المناطق.
لكن الحلف قال إنه قصف هدفاً عسكرياً للمراقبة والتحكم الإثنين. وقال
اللفتنانت جنرال تشارلز بوتشارد، قائد مهمة الحلف: «ما دام القذافي مستمراً
في تهديد المدنيين، ستواصل قوات الحلف الضغط على نظامه وتقليل قدرته على
مهاجمة الشعب الليبي».
ويسيطر المعارضون على شرق ليبيا ومدينة مصراتة الغربية ومجموعة جبال قرب
الحدود مع تونس، لكنهم لم يتمكنوا من التقدم نحو العاصمة في مواجهة جيش
القذافي الأفضل تجهيزاً، على الرغم من غارات الحلف.
واستولى مقاتلو المعارضة الإثنين على بلدة يفرن، الواقعة على بعد 100
كيلومتر جنوب غربي طرابلس، في مؤشر على أن الضربات التي يشنها حلف شمال
الاطلسي في المنطقة ربما بدأت تؤتي ثمارها. ودمّرت طائرات حربية بريطانية
دبابتين وحاملتي جند مدرعتين في الثاني من حزيران (يونيو) في يفرن.
وتقع يفرن على تل سيطرت القوات الموالية للقذافي على سفحه على مدى أكثر
من شهر، وكانت تحاصر المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة، مما أدى إلى تراجع
إمدادات الغذاء ومياه الشرب والدواء في البلدة.
وقال خالد كعيم، نائب وزير الخارجية الليبي، للصحافيين لدى سؤاله عن
تقارير عن مكاسب المعارضين، إن قوات الحكومة يمكنها استعادة الأراضي خلال
ساعات، لكنها تحجم عن ذلك لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين.
وعملت طائرات هليكوبتر هجومية تابعة للحلف في شرق البلاد يوم الأحد
الماضي، وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إن طائرات أباتشي دمّرت نظام اطلاق
صواريخ على الساحل قرب بلدة البريقة بشرق البلاد.
وقال مصدر عسكري فرنسي، إن طائرات هليكوبتر فرنسية تعمل في ليبيا كل ليلة منذ يوم الجمعة، لكنه لم يورد تفاصيل.
وذكرت مصادر من المعارضة، أن قوات القذافي أطلقت كذلك صواريخ على بلدة
أجدابيا في الشرق الإثنين، وأن اشتباكات اندلعت على الطريق الرئيسي الى
الغرب.
ودخل الصراع بين القوات الليبية ومقاتلي المعارضة في حالة من الجمود منذ
أسابيع، ولا يتمكن أي طرف من السيطرة على أراض على طريق بين أجدابيا وبلدة
البريقة النفطية التي تسيطر عليها قوات القذافي الى الغرب.
ويأتي نشر طائرات الهليكوبتر في إطار خطة لتصعيد العمليات العسكرية لكسر
هذا الجمود. ويقول البعض إن الحلف تجاوز بدرجة كبيرة تفويض الامم المتحدة
له بحماية المدنيين.
وأوردت وكالة الأنباء الليبية، أن «قبائل الحرابة» في منطقة الجبل
الغربي «جددت تأكيد عهدها وميثاق الشرف» للقذافي «بمواصلة تحدي عدوان
الناتو الصليبي وعملائه الخونة المتآمرين حتى النصر أو الاستشهاد». وردَّ
بيان القبائل على تسجيل تم بثه على شبكة الانترنت، أعلن فيه من وصفهم
البيان بـ «شرذمة من المأجورين» انضمامهم إلى الثورة، وقال: «لا نعلم مكان
المتحدث باسم قبائل الحرابة وهويته... إن قبائل الحرابة قدّمت خلال هذه
المحنة شهداء من الشعب المسلح والمتطوعين والمدنيين، ولها العديد من
الأبناء في صفوف المواجهة الأولى، وما زالت هذه القبائل تقدم من أجل وحدة
تراب ليبيا تلبية لنداء الوطن والقائد (القذافي)».
وحضت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في تقرير أول من أمس، المعارضين
وحلف «الناتو» على اقتراح وقف لإطلاق النار. وقالت: «المعارضون وحلف شمال
الاطلسي الذي يدعمهم، لا يُبدون اهتماماً بحل الصراع عن طريق المفاوضات».
وأضاف التقرير: «الإصرار - كما يفعلون - على رحيل القذافي كشرط مسبق...
سيطيل أمد الصراع العسكري ويعمّق الأزمة. إنما يجب أن تكون الأولوية للتوصل
إلى وقف فوري لإطلاق النار والتفاوض على نقل السلطة».
وقالت وزارة الخارجية الإسبانية الإثنين، إن الوزيرة ترينيداد خيمينث ستسافر الى بنغازي للقاء مصطفى عبدالجليل زعيم المعارضة اليومَ.