أبدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس رغبته في وضع نظام
دمشق أمام مسؤولياته من خلال قراره إرسال لجنة تحقيق «في شكل عاجل» إلى
سورية لإجراء تحقيقات في شأن الانتهاكات الحقوقية الخطيرة خلال حملة قمع
الانتفاضة المعارضة للرئيس بشار الأسد منذ آذار (مارس) الماضي.
ووافق مجلس حقوق الإنسان غداة جلسة استثنائية بغالبية 33 صوتاً مقابل
اعتراض 4 أصوات وامتناع 9 أعضاء، على قرار يدين أيضاً «في شدة الانتهاكات
المستمرة الخطيرة والمنهجية مثل الإعدام التعسفي والاستخدام المفرط للقوة
والقتل واضطهاد المحتجين والمدافعين عن حقوق الإنسان» في سورية.
وقرر «إرسال لجنة تحقيق مستقلة في شكل عاجل... لإجراء تحقيقات في
انتهاكات لحقوق الإنسان في سورية» خلال الأشهر الماضية، وتحديد الوقائع
والظروف التي أدت إلى مثل هذه الانتهاكات «وكشف مرتكبيها للتأكد» من إمكان
محاسبتهم على أفعالهم.
ويطلب القرار الذي صاغته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول
العربية الأربع في المجلس، السعودية والأردن وقطر والكويت، من السلطات
السورية «التعاون كلياً مع لجنة التحقيق». ومن المفترض أن ترفع هذه اللجنة
تقريرها قبل نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وتنقل استنتاجاتها إلى
الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات المختصة.
ولدى افتتاح الجلسة، قالت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان
نافي بيلاي إن انتهاكات حقوق الإنسان «مستمرة حتى اليوم في سورية»، مشيرة
إلى سقوط 2200 قتيل منذ بدء الأزمة في آذار (مارس) الماضي، منهم 350 منذ
بداية الشهر الجاري. وأكدت أن «قوات الأمن تواصل خصوصاً استخدام القوة
المفرطة وتستخدم المدفعية الثقيلة» ضد المتظاهرين. وكررت أن «حجم وطبيعة
هذه الأعمال يمكن أن يرقيان إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية».
وقال مندوب بولندا سيسازي لوسينسكي باسم الاتحاد الأوروبي إن القرار «رد
واضح جداً من المجلس على الانتهاكات الخطيرة والمنهجية الجارية في سورية».
واعتبر ديبلوماسي أوروبي آخر أن التصويت «يؤكد الضغط الدولي المتزايد على
سورية، بما في ذلك من جانب دول عربية».
وأكدت مندوبة الولايات المتحدة في المجلس ايلين دوناهوي أن التصويت يدل
على أن «هناك توافقاً متنامياً في المجتمع الدولي على أن نظام الأسد فقد
شرعيته». وقالت: «لن نقف صامتين بينما يذبح المدنيون الأبرياء والمحتجون
السلميون على أيدي قوات الأمن. نعمل على تكثيف الضغوط على السلطات السورية
للمساعدة على ضمان انتهاء العنف».
إلا أن نواة صغيرة من الدول الداعمة لسورية بينها روسيا والصين وكوبا،
أسفت من جهتها لفشل المشاورات من أجل التوصل إلى توافق. وقال مندوب روسيا
إن القرار ليس متوازناً ولا يأخذ في الاعتبار الخطوة الايجابية التي
اتخذتها الحكومة السورية لاستقرار البلاد ورغبتها في الحوار»، في حين اعتبر
المندوب الصيني أن اعتماد المجلس لهذا القرار «لن يؤدي سوى إلى تعقيد
الوضع».
ورأى مندوب سورية فيصل خباز الحموي أن القرار «دوافعه سياسية 100 في
المئة». وأضاف أن سورية ستسمح بزيارة بعثة المفوضية العليا «عندما ينتهي
التحقيق السوري المستقل». وكان مجلس حقوق الإنسان طالب سورية أثناء جلسة
عقدها في 29 نيسان (أبريل) الماضي بإجراء تحقيق في البلاد، ما لم يحصل.
وقال رضوان زيادة، وهو ناشط سوري يعيش في الخارج ويرأس «المركز السوري
للدراسات السياسية والاستراتيجية»: «هذا رائع. إنه قرار قوي... هذا يضع
ضغوطاً أكبر على مجلس الأمن» للتصرف.
ووثّق محققون في الأمم المتحدة في تقرير صدر الأسبوع الماضي وقائع قتل
واختفاء وتعذيب قالوا إنها تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية، كما أعدوا قائمة
سرية تضم 50 من الجناة المشتبه بهم لمحاكمتهم استناداً إلى مقابلات مطولة
مع الضحايا والشهود. وقال جيرالد ستابروك من «المنظمة العالمية ضد
التعذيب»: «في مواجهة الأدلة الجلية والدامغة المقدمة لابد من أن يحيل مجلس
الأمن القضية الآن على المحكمة الجنائية الدولية».
واعتبر المندوب المصري هشام بدر في كلمة ألقاها خلال الجلسة أن «الوضع
الجاري في سورية يستلزم تحركاً سريعاً لإنقاذ الموقف قبل أن يصل إلى نقطة
اللاعودة»، مؤكداً «ضرورة إجراء إصلاحات على المستوى الوطني لتجنب المخاطر
التي تكتنف الوضع الحالي والتي يمتد أثرها أيضاً على المنطقة ككل».
وأشار إلى أن «المطلوب هو وقف فوري لإطلاق النار واتخاذ تحركات عاجلة
لاستعادة الثقة المفقودة وتوفير الشروط اللازمة لقيام حور وطني شامل يجمع
كل أطياف المجتمع السوري». ولفت إلى أن «الظروف الدقيقة التي تمر بها سورية
والدروس التي شهدناها على مدار الشهور الماضية في مناطق أخرى من العالم
العربي تظهر أن الحلول الأمنية لم تعد مجدية وأن الأمر يستلزم الاعتماد على
تبني مخرج سياسي يتأسس على حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية». ودعا
السلطات إلى «أخذ زمام المبادرة بيديها بأن تتحرك على الفور لتحقيق
التطلعات المشروعة للشعوب العربية في الحرية والديموقراطية والإصلاح».