الزكاة شرعت لتطهير المال الطاهر وحمايته من التعفن أو التلف
المال معروف مشهور عند اللغويين وعند الفقهاء وفي أعراف الناس
فما ملكته من جميع الأشياء في نظر أهل اللغة يعتبر مالا
وكل ما أبيح نفعه واقتناؤه مطلقا في نظر جمهور الفقهاء يعتبر مالا
وأعراف الناس في كل قطر وقطر تحدد ما المقصود من المال
فأكثر ما يطلق المال عند العرب قديما على الإبل
وفي الوقت المعاصر أكثر ما يطلق المال على الأوراق النقدية
ففي الأردن مثلا إذا أطلق المال تبادر إلى الذهن
الدينار وفي مصر الجنيه وفي السعودية الريال وفي أمريكا الدولار
فالأوراق النقدية هي المقصود من المال في غالب
اعم استعمال الناس لمفهوم المال في الوقت المعاصر.
إن الشريعة الإسلامية لا تعترف بالقيمة الذاتية للمال
إلا إذا كان مباحا متقوما شرعا بمعنى أن الشريعة الإسلامية
أباحت تملك المال إذا كان بطريق مشروع غير ممنوع
فلا يمكن في المنظور الإسلامي أن نفصل بين كلمة "المال"
وكلمة "المباح المتقوم شرعا"، حيث أن العلاقة بين كلمة المال
وبين "المباح المتقوم شرعا" علاقة تلازم لا انفكاك بينهما
والمال المتقوم هو المال المحترم الذي يجوز للمسلم تملكه
بحيث يتملكه على وجه مشروع غير محظور فقد يملك شخص
مئات الكيلوغرامات من الكوكايين أو الهروين وفي أسواق
المخدرات تقدر هذه الكمية بآلاف أو ملايين الدولارات
إلا أن هذه الكمية من المخدرات في حكم الشرع لا تساوي فلسا واحدا
بل في حكم الشرع يجب إتلاف هذه الكمية ومعاقبة مالكها
اشد العقوبة. وكذا من ملك مخازن للخمور والمسكرات
تقدر بملايين الدولارات فإنها في حكم الشرع لا تساوي فلسا واحدا
فالمال في الإسلام لا بد أن يكون متقوما مباحا يجوز استعماله.
إن أهمية كون المال متقوما مباحا تظهر في حماية هذا المال
وصيانته واحترامه، إذا أن المال المباح بطريق مباح فيه حصانة كبرى
من التعدي عليه أو إتلافه وتسري عليه قواعد الضمان
التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، ولا حرج على المسلم
في أن يجمع من المال ما شاء ما دام يجمعه من حلال
والإسلام يشجع على ذلك ما دام المال من حلال
ويضع على ملكية المال الحلال حصانة تحميه من الاعتداء
تصل عقوبة هذا الاعتداء أحيانا إلى الحد كحد السرقة مثلا.
لا يختلف اثنان على ضرورة المال وأهميته للإنسان
في حياته ومعاشه ولا يحصل قيام ولا يستقيم معاش
إلا بتوفر المال، فالله تعالى رتب المسببات على الأسباب والنتائج
على المقدمات في دار الدنيا ، فالمال من الضروريات الخمسة التي سعت
الشريعة الإسلامية على حفظها وحمايتها إذ بفقدان المال أو العبث فيه
اختلال واضطراب في حياة الناس، فالمال ضرورة من الضرورات ومصلحة
عظمى من المصالح الخمسة التي حمتها الشريعة الإسلامية وهي:حفظ الدين
وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال وهذه الضروريات
من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية والإخلال بها أو بأحدها يعتبر جريمة خطيرة
تعود على كيان المجتمع الإسلامي بالهدم، لذلك ترى الشريعة الإسلامية
حزمت بشدة وحكمت بالحد على من أعتدى على هذه الأصول الخمسة
او سعى في العبث فيها، ومع ذلك فان المال بحد ذاته وسيلة لا غاية
وقد وضعت الشريعة الإسلامية خططا واضحة بينة في كسبه وتملكه
وكذلك بينت المنهاج الأكمل في طرق إنفاقه والتصرف فيه
والإنسان بالدرجة الأولى مستخلف أمين على هذا المال إذ أن المالك الحقيقي للمال
هو الله وحده جل جلاله وهو المعطي الرازق له
وقد فضل الله تعالى بعض الناس على بعض في الرزق
وجعل بعضهم فوق بعض درجات فأعطى
ومنع لحكمة يريدها تعود على الناس بالمصلحة والخير.
إن الشريعة الإسلامية لا تعترف ولا تعطي أي حصانة
ولا تقر بملكية الفرد الذي اكتسب ماله من حرام كأكل أموال الناس بالباطل
أو اخذ الرشوة أو القمار أو الاختلاس أو الغصب أو السرقة....الخ
والشريعة الإسلامية حينما حرمت تلك الوسائل لاكتساب المال فإنما
راعت في ذلك المصلحة البشرية ودفعت عنها مفسدة تؤدي إلى انتشار
الفوضى والظلم والفساد فيها، إذا لا امن ولا آمان ولا عدل ولا إحسان
إذ تصرف الناس تصرفات ممنوعة شرعا في كسب أموالهم
وما نهت الشريعة الإسلامية عن شيء إلا ونهت
عن مفسدة وجلبت مصلحة من خلال نهيها.
إن الشريعة الإسلامية باركت اليد التي تكسب من حلال
وتنمي مالها في حلال بحيث تستثمر مالها في حلال وتحفظه
وتصونه وتقوم على رعايته وتقوم برعاية الحقوق الواجبات
فيه بالغ ما بلغ هذا المال، وإذا كان الغير ممنوعا من التعدي
على مال غيره فان لمال الإنسان في نفسه حرمة أيضا لصاحبه
إذ أن الشريعة الإسلامية تمنع صاحب
المال أن يضيعه أو يبذره أو يبعثره ذلك لان للأمة فيه حقوقا.
إن الكسب الحلال وحده لا يفي بغرض المحافظة على ذلك المال
ولا على طهارته ولا على صيانته من التلف او العفن
بل عين الله تعالى وسيلة هو شرعها ابتداء لحفظ هذا المال
ورعايته وصونه وطهارته إلا وهي فرض الزكاة .
إن الشريعة الإسلامية فرضت الزكاة على المال الطاهر
ذلك ليزداد طهارة ونماء وبركة، ومن ناحية أخرى صيانة لهذا المال
من التلف أو التعفن لان الزكاة هي الوسيلة الوحيدة الإجبارية
والتي عينها الله تعالى على سبيل الفرض والإلزام لحماية هذا المال
وإن عدم إخراج نسبة الزكاة المفروضة من المال ومهما كانت طهارته
بالطريق المباح الذي اكتسبه صاحبه يجعله عرضة للهلاك
فعَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
" مَا خَالَطَتِ الَّصَدَقةُ مَالًا قَطُّ إِلَّا أَهْلَكَتْهُ ".
قَالَتْ : يَكُونُ وَجَبَ عَلْيكَ فِي مَالِكَ صَدَقَةٌ ، فَلَا تُخْرِجُهَا فَيُهْلِكَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ."
إن الزكاة هي الوسيلة الإجبارية الوحيدة التي عينها الله تعالى
لتنظيف المال الطاهر من أوساخه ، وان الكسب المشروع له
ومهما بلغت دقة مشروعيته فان هذا الكسب سيظل متسخا غير طاهر
إلا باستعمال الوسيلة الإجبارية التي عينها الله تعالى لطهارته الكلية
إلا وهي الزكاة، وقد تعينت الوسيلة لتنظيفه وتطهيره من أوساخه
بإخراج نسبة ما علق به من الأوساخ ، وهذه الأوساخ لم تأتي
لان الكسب من غير حلال إنما هي ملازمة الحلال جعلها الله تعالى
ملازمة له لا تنفك عنه الا بتطهيره منها والوسيلة الوحيدة
لتطهير هذا المال الطاهر أصلا والتي عينها الله تعالى
هي الزكاة وإخراج نسبتها من هذا المال الحلال المباح
وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،
" إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ ، وَلا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ ، وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ "
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ .
لا يتوقف حدود استعمال هذه الوسيلة عند طهارة المال الطاهر
وحمايته من التلف او العفن إنما تتعدى هذه الوسيلة للنفس البشرية
وحتى لو كانت مسلمة امنة مطمئنة الى زيادة في الطهارة
وزيادة في التزكية وصونها من العفن من صفة البخل او التلف
بمنع الزكاة والهلاك ، فهي اذن وسيلة طهارة للمال الحلال
ولصحاب المال الحلال قال تعالى
" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
( التَّوْبَةِ : 1