شبكة منتديات رحاب الايمان


الامام ابي حنيفة النعمان 963677
مرحب بيكم فى
شبكة منتديات رحاب الايمان
أتمنا أن تشرفونا بالتسجيل معنا

الادارة
المؤمن بالله


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة منتديات رحاب الايمان


الامام ابي حنيفة النعمان 963677
مرحب بيكم فى
شبكة منتديات رحاب الايمان
أتمنا أن تشرفونا بالتسجيل معنا

الادارة
المؤمن بالله

شبكة منتديات رحاب الايمان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنه ) رواه مسلم
قال تعالى  ) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير صدق الله العظيم
 
برامج لحواسبكم تهمكم
اهلا وسهلا زائرنا الكريم سجل معنا لتفوز برضى الله ورسوله وتكون فى رحاب الايمان
البنر الرئيسي للمنتدى

+2
المؤمن بالله
maraam
6 مشترك

    الامام ابي حنيفة النعمان

    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam الخميس 14 أبريل 2011, 9:15 pm

    ولد أبو حنيفة النعمان بالكوفة سنة 80 هـ من أسرة فارسية، وسمي النعمان تيمنًا بأحد ملوك الفرس؛ من أجل ذلك كبر على المتعصبين العرب أن يبرز فيهم فقيه غير عربي الأصل، وحاول بعض محبيه أن يفتعل له نسبًا عربيًّا، ولكنه كان لا يحفل بهذا كله؛ فقد كان يعرف أن الإسلام قد سوى بين الجميع، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - احتضن سلمان الفارسي وبلالاً الحبشي، وكانا من خيرة الصحابة، حتى لقد كان الرسول يقول: سلمان منا أهل البيت. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول عن بلال: سيدنا بلال.




    ولقد شهد أبو حنيفة في طفولته فظائع الحجاج والي العراق وبطشه بكل مَن يعارض الأمويين حتى الفقهاء الأجلاء، فدخل في نفسه منذ صباه عزوف عن الأمويين واستنكار لاستبدادهم، ورفض للطغيان.. ثم إنه ورث عن أبيه وأمه حبًّا لآل البيت، فما كان في ذلك العصر رجال ينبذون التفرقة بين المسلمين العرب وغير العرب إلا آل البيت، وقد تمكن حب آل البيت من قلبه عندما تعرف على أئمتهم وتلقى عنهم، وعندما عاين أشكال الاضطهاد التي يكابدونها كل نهار وليل!! حتى لقد شاهد الإمام الصادق واقفًا يستمع إليه وهو يفتي في المدينة، فوقف قائلاً: يا ابن رسول الله، لا يراني الله جالسًا وأنت واقف.
    وكان أبوه تاجرًا كبيرًا فعمل معه وهو صبي، وأخذ يختلف إلى السوق ويحاور التجار الكبار ليتعلم أصول التجارة وأسرارها، حتى لفت نظر أحد الفقهاء فنصحه أن يختلف إلى العلماء، فقال أبو حنيفة: إني قليل الاختلاف إليهم. فقال له الفقيه الكبير: عليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء؛ فإني أرى فيك يقظة وفطنة، ومنذ ذلك اليوم وهب الفتى نفسه للعلم واتصل بالعلماء، ولم تنقطع تلك الصلة حتى آخر يوم في حياته.. ولَكَم عانى وعانى منه الآخرون في هذا الميدان الجديد الذي استنفر كل مواهبه وذكائه وبراعته!!
    ***



    وانطلق الفتى الأسمر الطويل النحيل بحلة فاخرة، يسبقه عطره، ويدفعه الظمأ إلى المعرفة، يرتاد حلقات العلماء في مسجد الكوفة.. وكان بعضها يتدارس أصول العقائد (علم الكلام)، وبعضها للأحاديث النبوية، وبعضها للفقه وأكثرها للقرآن الكريم، ثم مضى ينشد العلم في حلقات البصرة، وبهرته حلقة علماء الكلام، لما كان يثور فيها من جدل مستعر يرضي فتونه.
    ولزم أهل الكلام زمنًا، ثم عدل عنهم إلى الحلقات الأخرى.. فقد اكتشف عندما نضج أن السلف كانوا أعلم بأصول العقائد ولم يجادلوا فيها، فلا خير في هذا الجدل، ومن الخير أن يهتم بالتفقه في القرآن الكريم والحديث.


    وانتهت به رحلاته بين البصرة والكوفة إلى العودة إلى موطنه بالكوفة، وإلى الاستقرار في حلقات الفقه، لمواجهة الأقضية الحديثة التي استُحدثت في عصره، ولدراسة طرائق استنباط الأحكام.
    وكان أبوه قد مات، وترك له بالكوفة متجرًا كبيرًا للحرير يدر عليه ربحًا ضخمًا، فرأى أبو حنيفة أن يشرك معه تاجرًا آخر؛ ليكون لديه من الوقت ما يكفي لطلب العلم وللتفقه في الدين ولإعمال الفكر في استنباط الأحكام..




    ودرس على عدة شيوخ في مسجد الكوفة، ثم استقر عند شيخ واحد فلزمه.. حتى إذا ما ألمَّ بالشيخ ما جعله يغيب عن الكوفة، نصب أبا حنيفة شيخًا على الحلقة حتى يعود.. وكانت نفس أبي حنيفة تنازعه أن يستقل هو بحلقة، ولكنه عندما جلس مكان أستاذه سُئل في مسائل لم تعرض له من قبل فأجاب عليها، وكانت ستين مسألة، وعندما عاد شيخه عرض عليه الإجابات، فوافقه على أربعين، وخالفه في عشرين، فأقسم أبو حنيفة ألا يفارق شيخه حتى يموت.


    ومات الشيخ وأبو حنيفة في الأربعين، فأصبح أبو حنيفة شيخًَا للحلقة، وكان دارس علماء آخرين في رحلات إلى البصرة وإلى مكة والمدينة خلال الحج والزيارة وأفاد من علمهم، وبادلهم الرأي، ونشأت بينه وبين بعضهم مودَّات، كما انفجرت خصومات.
    ووزَّع وقته بين التجارة والعلم، وأفادته التجارة في الفقه، ووضع أصول التعامل التجاري على أساس وطيد من الدين، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مثله الأعلى في التجارة: حسن التعامل، والتقوى، والربح المعقول الذي يدفع شبهة الربا، وجاءته امرأة تبيع له ثوبًا من الحرير وطلبت مائة ثمنًا له، وعندما فحص الثوب قال لها: هو خير من ذلك. فزادت مائة.. ثم زادت حتى طلبت أربعمائة، فقال لها: هو خير من ذلك. فقالت: أتهزأ بي؟ فقال لها: هاتِ رجلاً يقومه. فجاءت برجل فقومه بخمسمائة!!




    وأرادت امرأة أخرى أن تشتري منه ثوبًا فقال: خذيه بأربعة دراهم. فقالت له: لا تسخر مني وأنا عجوز. فقال لها: إني اشتريت ثوبين فبعته أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم!!
    وذهب إلى حلقة العلم يومًا، وترك شريكه في المتجر، وأعلمه أن ثوبًا معينًا من الحرير به عيب خفي، وأن عليه أن يوضح العيب لمن يشتريه، أما الشريك فباع الثوب دون أن يوضح العيب! وظل أبو حنيفة يبحث عن المشتري؛ ليدله على العيب ويرد إليه بعض الثمن، ولكنه لم يجده، فتصدق بثمن الثوب كله، وانفصل عن شريكه! بهذا الحرج كان يتعامل في تجارته مع الناس، وفي فهمه للنصوص، وفي استنباطه للقواعد والأحكام..



    وعلى الرغم من أنه كان يكسب أرباحًا طائلة، فقد كان لا يكنز المال، فهو ينفق أمواله على الفقراء من أصدقائه وتلاميذه، يحتفظ بما يكفيه لنفقة عام ويوزع الباقي على الفقراء والمعسرين، فإذا عرف أن أحدًا في ضيق، أسرع إليه وألقى إليه بصرة على بابه، ونبهه إلى أنه وضع على بابه شيئًا، ويسرع قبل أن يفتح صاحب الحاجة الصرة.
    وكان على ورعه وتقواه واسع الأفق مع المخطئين، كان له جار يسكر في الليل ويرفع عقيرته بالغناء:
    أضاعوني وأي فتي أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر


    وكان صوت الجار يفسد الليل على أبي حنيفة، حتى إذا كانت ليلة سكت فيها صوت الجار السكير، فلما أصبح الصباح سأل عنه فعلم أنه في السجن متَّهمًا بالسكر، فركب أبو حنيفة إلى الوالي فأطلق سراح السكير، وعندما عادا معًا سأله أبو حنيفة: يا فتى هل أضعناك؟ فقال له: بل حفظتني رعاك الله. وما زال به أبو حنيفة حتى أقلع عن الخمر وأصبح من رواد حلقات العلم، ثم تفقه وصار من فقهاء الكوفة.
    ***


    وكان أبو حنيفة يدعو أصحابه إلى الاهتمام بمظهرهم.. وكان إذا أقام للصلاة لبس أفخر ثيابه وتعطر؛ لأنه سيقف بين يدي الله، ورأى مرة أحد جلسائه في ثياب رثة، فدس في يده ألف درهم وهمس: أصلح بها حالك. فقال الرجل: لست أحتاج إليها وأنا موسر وإنما هو الزهد في الدنيا. فقال أبو حنيفة: أما بلغك الحديث: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.



    وكان شديد التواضع، كثير الصمت، يقتصد في الكلام، ولا يقول إلا إذا سُئل، وإذا أغلظ إليه أحد أثناء الجدال صبر عليه، وإذا دخلت إليه امرأة تستفتيه قام من الحلقة وأسدل دونها سترًا؛ ليحفظها من عيون الرجال، وأجابها عما تسأل، نبع هذا التقدير الكبير للمرأة من حبه العميق لأمه، وحرصه الدائب على أن يرضيها، ثم مِن فهمه الواعي للإسلام، واتباعه اليقظ للسنة، واجتهاداته الذكية، وقد قاده اجتهاده إلى الإفتاء بأن الإسلام يبيح للمرأة حق تولي كل الوظائف العامة بلا استثناء.. حتى القضاء!


    ولقد كان في حرصه على إرضاء أمه يحملها على دابة، ويسير بها الأميال، لتصلي خلف أحد الفقهاء يرى هو نفسه أن أبا حنيفة أفضل منه؛ لأن الأم كانت تعتقد بفضل ذلك الفقيه! وكانت الأم لا ترضى بفتوى ابنها أحيانًا، فتأمره أن يحملها إلى أحد الوعاظ، فيقودها إليه عن طيب خاطر.. ولقد قال لها الواعظ يومًا: كيف أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟ ومع ذلك فقد ظل أبو حنيفة حريصًا على إرضائها، لا يرد لها طلبًا، حتى إذا عذب في سبيل رأيه، طلبت منه أمه أن يتفرغ للتجارة وينصرف عن الفقه، وقالت له: ما خير علم يصيبك بهذا الضياع؟ فقال لها: إنهم يريدونني على الدنيا وأنا أريد الآخرة، وإنني أختار عذابهم على عذاب الله، ولكم تحمل أبو حنيفة من عذاب!!
    كان مخالفوه في الرأي يغرون به السفهاء والمتعصبين والمتهوسين، ويدفعونهم إلى اتهامه بالكفر والتهجم عليه، فيقابلهم بالابتسام، ولقد ظل أحد هؤلاء السفهاء يشتمه، فلم يتوقف الإمام ليرد عليه، وعندما فرغ من درسه وقام، ظل السفيه يطارده بالسباب، والإمام لا يلتفت إليه، حتى إذا بلغ داره توقف عند باب الدار قائلاً للسفيه: هذه داري، فأتم كلامك حتى لا يبقى عندك شيء أو يفوتك سباب، فأنا أريد أن أدخل داري!!
    ***


    كان خصوم أبي حنيفة صنفين: بعض الفقهاء ممن وجدوا انصراف الناس عن حلقاتهم إلى حلقة أبي حنيفة وحكام ذلك الزمان، أما أعداء أبي حنيفة من الفقهاء فقد كان على رأسهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة، كان أعداؤه فقهاء للدولة في العصر الأموي، حتى إذا جاء العصر العباسي تحوَّلوا إلى الحكام الجدد، واحتالوا عليهم بالنفاق حتى أصبحوا هم أهل الشورى، يزينون للحكام الجدد كل ما زينوه للحكام السابقين من طغيان عدوان وبغي واستغلال وبطش بالمعارضين، واصطنعوا من الآراء الفقهية، وقبلوا من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ما يسند الطبقة الحاكمة والمستغلين، وما يصرف الناس عنهم عن أمور الدنيا وعن سياسة حياتهم، لينقطع الناس إلى التقشف، ويتركوا مستغليهم يستبدون ويعمهون!



    وكان أبو حنيفة يحتفظ باستقلاله أمام الحكام فيحترمه الحكام، وهو يلبس أغلى الفراء في الشتاء، ويتحلى طوال العام بثياب فاخرة ويتعطر، ويتنعم بالطيبات من الرزق، وبزينة الحياة التي أحلها الله لعباده..
    وكان يقاوم كما قاوم أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق من قبل بدعة تزيين التقشف والانصراف عن هموم الحياة، وترك الأمر كله لطبقة بعينها تملك وتستغل وتحكم وتستبد!
    على أن ميل أبي حنيفة إلى الأئمة من آل البيت أوغر عليه صدور الأمويين والعباسيين على السواء؛ ففي العصر الأموي قالوا: أن تكون كافرًا أو مشركًا خير من أن تكون علويًّا.. وفي العصر العباسي توالت المحن على العلويين، وأبو حنيفة يفتي بأن العلويين أصحاب حق.. على أنه مال إلى العباسيين أول الأمر، وتوسم فيهم الخير، ولكنه إذ وجد الفقهاء الذين نافقوا الأمويين وزينوا لهم العدوان، هم الذين يشيرون على الخلفاء العباسيين، أصابته خيبة الأمل فيهم.. ثم إن العباسيين بطشوا بأبناء عمومتهم العلويين، فساء رأي أبي حنيفة في العباسيين.
    وأبو حنيفة - على الرغم من سماحته - لا يسكت عن خطأ الفقهاء من الذين جعلوا كلَّ همهم نفاق الحكام وإرضاءهم، كان بعضهم يفتي في المسجد إلى جوار حلقة أبي حنيفة، فإذا أخطأ انبرى له أبو حنيفة يكشف ذلك الخطأ، ويعلن الصواب على الناس.
    وكان ينتقد أخطاء ابن أبي ليلى نقدًا أوغر عليه صدر الرجل، حتى نقد حكمًا فاحش الخطأ فانفجر غضب ابن أبي ليلى، وذلك أن امرأة مجنونة قالت لرجل: يا ابن الزانيين. فأقام عليها ابن أبي ليلى الحد في المسجد، وجلدها قائمة، وأقام عليها حدين: حدًّا لقذف الأب وحدًّا لقذف الأم! وبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ ابن أبي ليلى في عدة مواضع: أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمة والنساء يضربن قعودًا، ولضرب لأبيه حدًّا ولأمه حدًّا ولو أن رجلاً قذف جامعة ما كان عليه غير واحد، فلا يجمع بين حدين، والمجنونة ليس عليها حد، وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا. فذهب ابن أبي ليلى إلى الخليفة يشكو أبا حنيفة، واتهمه بأنه لا يفتأ يهينه، ويظهره للناس بمظهر الجاهل، وفي ذلك إهانة للخليفة نفسه؛ لأن ابن أبي ليلى إنما ينوب عن الخليفة في القضاء ويحكم بين الناس!! وأصدر الخليفة أمرًا بمنع أبي حنيفة من التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى، حتى إذا احتاج الخليفة إلى رأي في أمر معقد لا يطمئن فيه إلى فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعًا، فأذن له، فعاد يفتي، وعاد ينتقد الأحكام!!




    وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدًا محكمًا فلم يسعفه الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ إلى أبي حنيفة، فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من بطانة الخليفة بما صنعه حسدًا من عند أنفسهم، لكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان ليكره مواقفه وآراءه.
    وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته؛ لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما إلى فقيه، فرفضت الزوجة الاحتكام إلى قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو إلى تابعه شبرمة أو إلى أحد الفقهاء من بطانة المنصور، وطلبت أبا حنيفة! وعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة رأيه أن من حقه الزواج؛ لأن الله أحل للمسلم الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه،
    فرد أبو حنيفة: إنما أحل الله هذا لأهل العدل، فمن لم يعدل فواحدة، قال الله تعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، فينبغي أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه، وضاق الخليفة بفتواه، ولكنه أخذ بها.
    وخرج أبو حنيفة إلى داره، فأرسلت له زوجة الخليفة خادمًا ومعه مال كثير وأحمال من الثياب الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فارهٌ هدايا لأبي حنيفة، فقال أبو حنيفة للخادم: اقرئها سلامي، وقل لها: إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه الله، لم أرد بذلك تقربًا إلى أحد ولا التمست به دنيا. ورد الجارية الحسناء والثياب والمال والحمار المصري جميعًا.


    كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية والحالات، الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتهما إن لم يجد نصًّا في الكتاب أو السنة أو الإجماع، وكان يناظر الفقهاء ببديهة حاضرة، يقلِّب الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص إلى الغاية والخلاص من المأزق، ويلزم المناظر الحجة، وهو مع ذلك يقول: ربما كان ما قلته خطأ كله، لا الصواب كله!


    ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون مخالفيهم، وكانوا يقتلون مَن أقر عليّ بن أبي طالب على التحكيم، وخيَّره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظره، فرضي، فقال له: فإن اختلفنا؟ قال الخارجي: نحكم بيننا رجلاً.. فضحك أبو حنيفة قائلاً: أنت بهذا تجيز التحكيم! فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالمًا.

    ***

    وكم من مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته! ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء، وكانت صلابته واحترام الحكام له وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم تثير هؤلاء الفقهاء وتحرك حسدهم، فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به، وحاولوا أن يقتنصوه بفضائله.


    إنه لشجاع في الحق.. وإذن فلينصبوا له شركًا من جسارته وتقواه! وكانت مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه، ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم عليه اشتعالاً: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه استنباط الأحكام إلى إلحاق الأمور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد عاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف روح الشريعة أو نصوصها.


    أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالانحياز إلى العلويين، ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب! على أن الموقف ليس جديدًا عليه، فقد أيد ثورة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي، وسمى خروج زيد جهادًا في سبيل الله، وشبهه بيوم بدر، وحاول أن يخرج مع الإمام زيد، ولكن كانت لديه ودائع للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض، ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به؛ فأرسل إلى الإمام زيد مالاً كثيرًا يمير به جيشه ويقويه.


    وحين ولي العباسيون أيدهم أول الأمر ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات الدروس..
    وكان المنصور قد جمع رؤوس العلويين وسجنهم، وصادر أموالهم وأراضيهم، وثار العلويون بقيادة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فبعث المنصور جيشًا ضخمًا ليحصد العلويين، وأعلن أبو حنيفة تأييده للثورة، وبكى مصائر العلويين بعد أن نجح المنصور في إخماد الثورة والقضاء على قائديها، وفتك بأهل المدينة المنورة الذين أيدوا الثورة، وكان عبد الله بن الحسين شيخ أبي حنيفة والد محمد النفس الزكية وإبراهيم في سجن المنصور يعذب حتى الموت،
    وحين مات أعلن أبو حنيفة في حلقته أن واحدًا من أفضل أهل الزمان قد استشهد في سجنه، وبكاه وأبكى عليه.



    وأما آراؤه التي أشعلت سخط الحاكم وحاشيته عليه فهي تلك التي استنبطها بالقياس حتى لقد اتهمه بعض الفقهاء من خصومه بأنه يفضل القياس على الحديث! وما كان هذا صحيحًا، فقد رأى أبو حنيفة ظاهرة خطيرة، فأراد أن ينجو بدينه منها، وينجي معه الناس؛ ذلك أنه خلال الصراعين السياسي والاجتماعي، انتشر وضع الحديث خدمة لهذا الجانب أو ذاك، وتأييدًا لهذه المصلحة أو تلك، فوقف أبو حنيفة من الحديث موقف أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق، وتحرَّى الرواة وصدقهم، وتحرى معاني الأحاديث، ورفض منها ما يشك في صدق رواتها وتقواهم، أو ما يخالف نصًّا قرآنيًّا أو سنة مشهورة أو مقصدًا واضحًا من مقاصد الشريعة، وقد فحص الأحاديث الموجودة في عصره - وكانت عشرات الآلاف - فلم يصح في نظره منها إلا نحو سبعة عشر!
    وذهب إلى أن القياس الصحيح يحقق مقاصد الشارع، ويجعل الأحكام أصوب وهو خير من الاعتماد على أحاديث غير صحيحة.. وللقياس ضوابط منها تحقيق المصلحة وهذا هو هدف الشريعة.


    لقد كان تحرج أبي حنيفة وذمته وتقواه هي العوامل التي دفعته إلى الحذر في قبول الأحاديث إذا شك في صحتها على أي نحو، وكان عليه إذن أن يجد طريقًا آخر لاستنباط الأحكام الجديدة قياسًا على أحكام ثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو أقوال الصحابة السابقين من أهل الفتيا كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.. وكان عبد الله بن مسعود يفضل أن يفتي باجتهاده بدلاً من أن يسند إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح.



    وقد جَدَّ في عصر أبي حنيفة كثير من الحوادث والأقضية والأحوال، بعد اتساع الدولة وتشابك الأمور، وظهور ألوان كثيرة خصبة من النشاط التجاري والاجتماعي، وواجه الإمام هذا كله بالاجتهاد لاستنباط الأحكام التي تضبط العلاقات.


    وما كان يبتدع في قياسه كما رماه خصومه، وما كان يهدر السنة كما حاول ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة أن يصوراه كيدًا له، بل كان منهجه: قياس المسألة على أخرى ليردها إلى أصل من أصول الكتاب والسنة واتفاق الأئمة فيجتهد. وقد لخص هو منهجه في استنباط الأحكام في وصية لأحد تلاميذه ممن تولوا القضاء، قال: إذا أشكل عليك شيء فارحل إلى الكتاب والسنة والإجماع، فإن وجدت ذلك ظاهرًا فاعمل به، وإن لم تجده ظاهرًا فرده إلى النظائر واستشهد عليه بالأصول، ثم اعمل بما كان إلى الأصول أقرب بها أشبه.
    ***

    وقاده هذا الاجتهاد إلى عديد من الآراء الحرة: الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة، في عصر بدأت المرأة فيه تتحول إلى حريم للمتاع!
    فأفتى بأن للبالغة أن تزوج نفسها، وهي حرة في اختيار زوجها! كما أفتى بعدم جواز الحجر على أحد؛ لأن في الحجر إهدار للآدمية وسحقًا للإرادة، وأفتى بعدم جواز الحجر على أموال المدين، حتى لو استغرقت الديون كل ثروته؛ لأن في هذا مصادرة لحريته..
    وفي كل أمر من أمور الحياة تتعرض فيه حرية الإنسان لأي قيد، أفتى الإمام أبو حنيفة باحترام الحرية وكفالتها؛ لأن في ضياع حرية الإنسان أذًى لا يعدله أذى، لقد أفتى بكل ما ييسر الدين والحياة على الإنسان؛ فذهب إلى أن الشك لا يلغي اليقين، وضرب لذلك مثلاً بأن من توضأ ثم شك في أن حدثًا نقض وضوءه، ظل على وضوئه، فشكه لا يضيع يقينه، وأفتى بأنه لا يحق لأحد أن يمنع المالك من التصرف في ملكه، ولا يحق لأحد أن يحكم على مسلم بالكفر ما ظل على إيمانه بالله ورسوله حتى لو ارتكب المعاصي، ومن كفر مسلمًا فهو آثم.


    وأفتى بأن قراءة الإمام في الصلاة تغني عن قراءة المصلين خلفه، فتصح صلاتهم دون قراءتهم؛ اكتفاء بقراءة الإمام وحده، وقد أثار هذا الرأي بعض الناس، فذهبوا إلى الإمام ليحاوروه في رأيه، فقال لهم: لا يمكنني مناظرة الجميع فولوا أعلمكم. فاختاروا واحدًا منهم ليتكلم عنهم، وسألهم أبو حنيفة إن كانوا يوافقون على أنه إذ قد ناظر من اختاروه ليكون قد ناظرهم جميعًا فوافقوا، فقال لهم أبو حنيفة: وهكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا وهو ينوب عنا. فانصرفوا مقتنعين.
    ودعا إلى ضرورة العفو عن المخطئ إن لم تثبت عليه أدلة الإدانة ثبوتًا قطعيًّا لا يشوبه الشك أو الظن، اعتمادًا على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بدرء الحدود قدر المستطاع؛ فالحدود تدرأ بالشبهات، «فإن كان للمذنب مخرج أخلى سبيله، ولأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».



    وهو يطالب الناس بأن يسألوا في العلم بلا حرج، على أن يحسنوا السؤال. وكان يقول: حسن السؤال نصف العلم. وهو في اجتهاده يعرف مكانته، إذ كان واثقًا بنفسه، معتزًّا بكبريائه العلمي على الرغم من تواضعه الشديد.


    وقد سُئل: إذا قلت قولاً وظهر خبر لرسول الله يخالف قولك؟ قال: اترك قولي بخبر رسول الله، وكل ما صحَّ عن رسول الله فهو على العين والرأس. فقال السائل: فإذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟ قال: اترك قولي بقول الصحابي. فقال السائل: فإذا كان قول التابعي يخالف قولك؟ قال أبو حنيفة: إذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل.


    ويُروى عنه أنه ذهب إلى المدينة المنورة فجادل الإمام مالك بن أنس يومًا في أمور اختلفا عليها، وحضر المناظرة الإمام الليث بن سعد إمام مصر، وهو الإمام الذي عاش في عصر الإمام جعفر الصادق وأبي حنيفة والإمام مالك، وقال عنه أحد الفقهاء المتأخرين: إنه حقًّا أفقه الناس ولكن المصريين أضاعوه فلم يحفظوا فقهه، واستمرت المناظرة طويلاً حتى عرق الإمام مالك، وعندما خرج أبو حنيفة قال مالك لصديقه الليث: إنه لفقيه يا مصري!


    قام فقه الإمام أبي حنيفة على احترام حرية الإرادة، ذلك أن أفدح ضرر يصيب الإنسان هو تقييد حريته أو مصادرتها، وكل أحكامه وآرائه قائمة على أن هذه الحرية يجب صيانتها شرعًا، وأن سوء استخدام الحرية أخف ضررًا من تقييدها! فإساءة الفتاة البالغة في اختيار زوجها أخف ضررًا من قهرها على زواج بمن لا تريده، وسوء استخدام السفيه لماله، يمكن علاجه بإبطال التصرفات الضارة به، أما الحجر على حريته فهو إهدار لإنسانيته، وهو ضرر لا يصلحه شيء! وعلى أية حال فأذى الحجر أخطر من أذى ضياع المال فالحجر إيذاء للنفس، وإهدار للإرادة، واعتداء على إنسانية الإنسان!!


    وأبو حنيفة لا يجيز الوقف إلا للمساجد؛ لأن الوقف أو الحبس يقيد حرية المالك في التصرف، بل إن الإمام - إمعانًا منه في الدفاع عن الحياة - لا يجيز للقاضي أن يقيد حرية المالك، حتى إذا أساء التصرف على نحو يهدد الغير، وهو يطالب بأن يترك هذا كله للشعور بالتعاون الاجتماعي الذي يجب أن يسود أفراد الأمة، فيحترم كل منهم حرية الآخرين، ويمارس حريته بما لا يمس مصالح الغير أو حريته، وهذا أمر يجب أن يترك للناس فيما بينهم ولا سبيل للحاكم أو القضاء إلى التدخل لتقييد حرية المرء في التصرف مهما يكن من شيء!


    ولقد جاءه رجل يشكو جاره لأنه حفر بئرًا بجوار جداره مما يؤثر في بيت الشاكي، فطلب أبو حنيفة من الشاكي أن يحدِّث جاره ليردم البئر، ويحفر في مكان آخر، فقال الرجل: حدثته فامتنع ظالمًا. فقال أبو حنيفة: فاحفر في دارك بالوعة في مقابل بئره. وفعل الرجل، فاندفع ماء البئر إلى البالوعة، فاضطر الجار أن يردم البئر، ويحفرها في مكان بعيد عن جدار الشاكي.


    وهكذا مضى أبو حنيفة يوضح للناس ما في تعاليم الإسلام من احترام للحرية والإرادة، معتمدًا على الكتاب والسنة الصحيحة والرأي الذي يستنبطه بالقياس، مراعيًا تحقيق المصلحة أو الأعراف التي لا تتعارض مع قواعد الإسلام ومبادئه.



    وقد أغنت آراؤه في الفقه وجدان الناس وأيقظت ضمائرهم، وحركتهم للدفاع عن حرياتهم في التصرفات، متمسكين في ممارستهم للحرية بمبادئ الدين وأصوله، وكانت هذه الآراء كلها تناقض روح العصر الذي عاش فيه، وهو عصر يقوم نظام الحكم فيه على تكفير الخصوم، وإهدار دمائهم، وتقييد الحريات، وإطلاق يد الحاكم، وتمكين ذوي السطوة من الضعفاء، من أجل ذلك اتهمه خصومه من الفقهاء أصحاب المناصب بالخروج عن الإسلام!



    ثم إنه أفتى بتحريم الخروج لقتال المسلمين والفتك بهم، وبهذا صرف بعض قواعد الجيش في عصره عن حرب العلويين وخصوم الحكام ومعارضي آرائهم!



    ومن ذلك أن الحسن بن قحطبة أحد قواعد المنصور دخل على أبي حنيفة يسأله: أيتوب علي الله؟ وكان الحسن هذا قد قاد جيوشًا للمنصور فقتل العلويين وخصوم العباسيين، فقال له أبو حنيفة: إذا علم الله تعالى أنك نادم على ما فعلت، فلو خُيِّرت بين قتل مسلم وقتل نفسك لاخترت ذلك على قتله، وتجعل مع الله عهدًا على ألا تعود لقتل المسلمين، فإن وفيت فهي توبتك. فقال القائد: إني فعلت ذلك، وعاهدت الله على ألا أعود إلى قتل مسلم. ثم ثار العلويون، فأمر المنصور القائد أن يفتك بهم، فجاء القائد إلى أبي حنيفة يسأله الرأي، فقال له أبو حنيفة: فقد جاء أوان توبتك، إن وفيت بما عاهدت فأنت تائب، وإلا أخذت بالأول والآخر. فامتنع القائد عن تنفيذ أمر المنصور، وسلم نفسه إلى العقاب وهو القتل، إذ دخل على المنصور فقال بأنه لن يقتل المسلمين بعد! فغضب الخليفة عليه وأمر بقتله، حتى استشفع له أخوه قائلاً: إننا لننكر عقله منذ سنة وأنه قد جُنَّ. وسأله الخليفة عمن يخالط القائد المتمرد، فقيل: إنه يتردد على أبي حنيفة! وأسرها الخليفة لأبي حنيفة.



    على أن خصوم أبي حنيفة انتهزوا الفرصة فأوغروا صدر الخليفة، وأوحوا إليه أن يقضي على أبي حنيفة، واتهموه بإثارة الفتنة، وتثبيط قواد الجيش، وتأليب العامة على ولي الأمر، وتكوين حلقة من الفقهاء كلهم يدعو إلى الثورة على الخليفة.



    وكان من هؤلاء الخصوم فقيه أفتى للناس بأن تلاميذ أبي حنيفة خارجون على ولي الأمر، ومرتدون عن الإسلام! فأن يقال: إن بالحي خمارًا خير من أن يقال: إن فيه أحدًا من أصحاب أبي حنيفة!! وكان منهم فقيه آخر عرف وهو في الحج أن أحد أصحاب أبي حنيفة سيصلي بالناس فلم يستطع كظم غيظه وصاح: الآن يطيب لي الموت!
    ***

    ورفض أبو حنيفة أن يقبل المناصب، عرض عليه الأمويون منصب القاضي فرفضه، فسجنوه وعذبوه في السجن، وظلُّوا يضربونه كل يوم بالسياط حتى ورم رأسه، ومع ذلك فلم يقبل المنصب؛ لأنه كان يرى أن تحمل المسؤولية في عهد يعتَبِر هو حاكميه ظالمين مغتصبين، إنما هو مشاركة في الظلم وإقرار للاغتصاب..



    وفي السجن تذكر أمه الحزينة فبكى، وسأله جاره في السجن عما يبكيه وهو الفقيه الجليل الصلب، فقال من خلال دموعه: والله ما أوجعتني السياط، بل تذكرت أمي فآلمتني دموعها.
    وساءت صحته في السجن، وبدأت الثورة تتجمع ضد الخليفة الأموي احتجاجًا على ما يحدث لأبي حنيفة فأطلق سراحه، ولم يعد له مقام في الكوفة التي شهدت عذابه، فترك مسقط رأسه، ومرح شبابه، بكل ما فيها من ذكريات عزيزة وآمال عذبة، وأقام بالحجاز حتى سقطت الدولة الأموية، فعاد إلى موطنه.



    ولكن العباسيين لم يتركوه، فمنذ شعر بخيبة الأمل فيهم لبغيهم واضطهادهم للعلويين، واصطناعهم المرتزقة من الفقهاء، بدأ يجهر برأيه في استبدادهم وطغيانهم، ورفض كل هداياهم، كما رفض هدايا الأمويين من قبل، وعرضوا عليه منصب قاضي القضاة فأبى، وتمسك بالتفرغ للعلم، قالوا له بأنه قد حصل من العلم ما يجعله في غنًى عنه، فردَّ: مَن ظن أنه يستغني عن العلم فليبكِ على نفسه.


    بعد أن فرغ المنصور من بناء بغداد، وأقام فيها معتزًّا بها، حرص على أن يجعل أكبر فقهاء العراق قاضي القضاة فيها، وكان أبو حنيفة قد أصبح أكبر الفقهاء بالعراق؛ حتى سماه أتباعه ومريدوه: الإمام الأعظم، ولكن الإمام صمم على الرفض، كان يعرف ما ينتظره؛ فابن أبي ليلى لا يكفُّ عن الكيد له، وهو لا يغفر لأبي حنيفة ما يوجهه من نقد لاذع لأحكامه.
    وقد ضم ابن أبي ليلى إليه حاجب الخليفة ووزيره الأول، وكان أبو حنيفة قد أحرجه وكشف أكاذيبه أمام الخليفة في محاورة حاول فيها الوزير الأول أن يوقع بالإمام، ففضحه الإمام وأفسد حيلته.


    وقد أفتى أبو حنيفة بأن الوزير لا تصح شهادته؛ لأنه يقول للخليفة: أنا عبدك، فإن صدق فهو عبد ولا شهادة له، وإن كذب فلا شهادة لكاذب!!


    وقد أخذ أحد تلاميذ أبي حنيفة بهذا النظر فيما بعد حين ولي القضاء، فرد شهادة الوزير الأول لخليفة آخر؛ لأنه قبل الأرض بين يدي الخليفة قائلاً له: أنا عبدك!
    ***


    اتسعت الفتوحات حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية، وحتى ارتفعت الراية الإسلامية فوق شرق أوربا وجنوبها والأندلس، وكل بلاد العالم التي عرفها إنسان ذلك العصر، وعلى الرغم من ازدهار الحضارة، فقد شغل رجال الحاشية بالكيد لأبي حنيفة، يظاهرهم بعض الفقهاء أصحاب المناصب وأهل الحظوة عند الخليفة.



    وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبي حنيفة، وانتهز فرصة خروج أهل الموصل على الخليفة، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم إن هم خرجوا على الخليفة أن تباح دماؤهم وأموالهم، وأرسل الخليفة إلى ابن شبرمة وابن أبي ليلى ليسألهما رأي الدين في أهل الموصل، وكان قد أعد جيشًا للفتك بهم، واقترح الوزير الأول على الوزير أن يدعو أبا حنيفة، وكان يعرف أن تقواه وشجاعته وكل فضائله ستقوده إلى مخالفة رأي الخليفة، وحضر الفقهاء الثلاثة، فسألهم عن حكم الشرع في أهل الموصل، وسكت أبو حنيفة وأفتى الآخران بأن أهل الموصل يستحقون الفتك بهم! وأفتى أبو حنيفة بأن الخليفة لا يحق له الفتك بأهل الموصل؛ لأنهم بإباحتهم أرواحهم وأموالهم إنما أباحوا ما لا يملكون، وسأل: لو أن امرأة أباحت نفسها بغير عقد زواج، أتحل لمن وهبته نفسها؟ فقال له الخليفة: لا. فطلب الإمام أبو حنيفة منه أن يكف عن أهل الموصل فدمهم حرام عليه، وأن يوجِّه الجيش إلى حماية الثغور، أو إلى فتح جديد لنشر الإسلام، بدلا من أن يضرب به المسلمين.
    وضاق به الخليفة وأمره أن ينصرف، ومَن حول الخليفة أعداء الإمام يستفزونه للبطش به، وفي مقدمتهم ابن أبي ليلى قاضي القضاة وتابعه شبرمة، ومضى أبو حنيفة إلى داره، وهو يقول لصحبه: إن ابن أبي ليلى ليستحل مني ما لا استحله من حيوان!



    وفي الحق أن ابن أبي ليلى وشبرمة والعصبة المعادية لأبي حنيفة في قصر الخليفة زينت للخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما يعرضه عليه من مناصب، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي فحق عليه العقاب، ووجب أن يُشهَّر به في الأمة؛ لأنه يتخلى عن خدمتها! واقترحوا على الخليفة أن يبدأ فيمتحن ولاءه، فيرسل إليه هدية، وكانوا يعرفون سلفًا أن الإمام أبا حنيفة لن يقبل الهدية! وأرسل له الخليفة مالاً كثيرًا وجارية، فرد الهدية شاكرًا.



    ثم أرسل الخليفة إليه يلح عليه في ولاية القضاء أو في أن يكون مفتيًا للدولة يرجع إليه القضاة فيمن يصعب عليهم القضاء فيه بما أنه يكثر من لوم القضاة على أحكامهم، ويكشف للعامة جهل شيخهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة!



    ورفض أبو حنيفة، فاستدعاه الخليفة يسأله عن سبب رفضه، فقال له: والله ما أنا بمأمون الرضا، فكيف أكون مأمون الغضب؟! ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو الحكم لك لاخترت أن أغرق، ثم إن تلك حاشية يحتاجون إلى مَن يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك.
    وكانت الحاشية كلها تحيط بالخليفة، وعلى رأسها وزيره الأول والفقيهان ابن أبي ليلى وشبرمة، فأبدوا التذمر وبان عليهم استنكار ما يقوله الإمام أبو حنيفة، فقال الخليفة محنقًا: كذبت. فقال أبو حنيفة في هدوء: قد حكمت على نفسك، كيف يحل لك أن تولي قاضيًا على أمانتك وهو كاذب؟!
    وبعد قليل سأله الخليفة عن سبب رفض هداياه، فقال له أبو حنيفة بأنها من بيت مال المسلمين، ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين أو الفقراء أو العاملين في الدولة بأجر، وأنه ليس واحدًا من هؤلاء!


    فأمر الخليفة بحبسه وضربه بالسياط حتى يقبل منصب قاضي قضاة بغداد!


    وها هو شيخ في السبعين أثقلته المعارك والدسائس والهموم، ومكابدة الفقه والعلم والتحرج.. ها هو ذا يضرب، ويظل يضرب بالسياط في قبو سجن مظلم، ورسل الخليفة يعرضون عليه هدايا الخليفة، ومنصب القضاء والإفتاء.. وهو يرفض!! فيعاد إلى السجن ليعذب من جديد، ويكررون العرض، وهو يكرر الرفض، داعيًا الله: اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك.



    وظل في سجنه يعرضون عليه الجاه والمنصب والمال فيأبى، ويعذب من جديد! وتدهورت صحته، وأشرف على الهلاك، وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاسى في السجن، فيثور الناس! وقرروا أن يتخلصوا منه فدسوا له السم، وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وما عاد يستطيع أن يروي لأحد شيئا بعد!!


    وحين شعر بأنها النهاية أوصى بأن يُدفن في أرض طيبة لم يغتصبها الخليفة أو أحد رجاله، وهكذا مات فارس الرأي الذي عرف في السنوات الأخيرة من حياته باسم "الإمام الأعظم"، وشيعه خمسون ألفًا من أهل العراق، واضطر الخليفة أن يصلي على الإمام الذي استقر إلى الأبد في ركن هادئ من الدنيا لم يشبه غضب، والخليفة يُهمهم: مَن يعذرني من أبي حنيفة حيًّا وميتًا؟



    وهكذا مضى بطل الفكر الشجاع شهيدًا لحرية الرأي في محنة من العذاب لم يعرفها أحد من الفقهاء من بعده، حتى كانت محنة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في عصر زري كذلك العصر.. عصر تحكمه الدسائس والسموم وسياط الجلاَّدين، على الرغم من روعة الفتوحات العسكرية، وانتصارات العقل الإنساني، ويبطش فيه المزيفون برهان الحرية وفرسان الفكر.
    وتظل المنارات الشامخة فيه مضيئة على الرغم من كل شيء، تقدم للإنسانية جيلاً بعد جيل عطاءً خالدًا من شعاع المعرفة والقوة، وجسارة الكلمة الصادقة الأبية الفاضلة!



    قالوا عنه:
    قال عنه الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
    وقال عنه النضر بن شميل: كان الناس نيامًا في الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة.
    وقيل: لو وُزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه؛ لرجح علمه عليهم.
    وقال عنه ابن المبارك: ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة.
    وقال عنه يزيد بن هارون: ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة.
    رحم الله الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان

    المصدر: عبد الرحمن الشرقاوي، "أئمة الفقه التسعة" العصر الحديث للنشر والتوزيع 1985م
    المؤمن بالله
    المؤمن بالله
    المدير العام
    المدير العام


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 310
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Collec10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف المؤمن بالله الخميس 14 أبريل 2011, 9:26 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 22380711
    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam الخميس 14 أبريل 2011, 11:17 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 865766 الامام ابي حنيفة النعمان 1-235565ly7
    ام اسامة
    ام اسامة
    عضو ماسى
    عضو ماسى


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف ام اسامة السبت 16 أبريل 2011, 3:45 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 39349alsh3er
    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam السبت 16 أبريل 2011, 6:52 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 3445020497 الامام ابي حنيفة النعمان 1-924457pzig0c
    admin
    admin
    كبار الشخصيات
    كبار الشخصيات


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 1210
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Collec10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف admin الأحد 17 أبريل 2011, 3:15 am

    الامام ابي حنيفة النعمان Goodwayinlifecom74
    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam الأحد 17 أبريل 2011, 3:21 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 333998 الامام ابي حنيفة النعمان 2286408y
    نسمة
    نسمة
    مشرفة
    مشرفة


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان 2910

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف نسمة الأحد 17 أبريل 2011, 8:57 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان Amiraabb5b2a61ee
    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam الإثنين 06 يونيو 2011, 6:46 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 1693841971 الامام ابي حنيفة النعمان 1624972isnooks1vv
    larose8181
    larose8181
    مشرفة
    مشرفة


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 310
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Profes10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف larose8181 الإثنين 06 يونيو 2011, 7:07 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان Ead99vu
    maraam
    maraam
    عضو مبدع
    عضو مبدع


    اعلام الدول : الامام ابي حنيفة النعمان Egitto10
    المزاج اليوم : الامام ابي حنيفة النعمان 76048910
    المهنة : الامام ابي حنيفة النعمان Studen10

    متميز رد: الامام ابي حنيفة النعمان

    مُساهمة من طرف maraam الأربعاء 29 يونيو 2011, 10:17 pm

    الامام ابي حنيفة النعمان 670925701 الامام ابي حنيفة النعمان 886972

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024, 9:12 am