بسم الله الرحمن الرحيم
انه البلاء عنوان المحبة
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما" [رواه البخاري]،
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"
[رواه الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيرا عجل له العقوبة في الدنيا"
[رواه الترمذي].
ومن تأمل سير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام -وهم من أحب الخلق إلى الله- وجدهم قد واجهوا الكثير من البلاء والشدة والمرض.
يقول تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن
رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-
157].
أي فضل بعد صلوات الله ورحمته وهداه؟.
وعندما دخل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- على الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، قال:
يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، قال صلى الله عليه وسلم:
"أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.." .
[متفق عليه]،
وسأله سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أي الناس أشد بلاء؟
قال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل،
يبتلى الرجل على حسن دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه،
وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه،
وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة"
[رواه الترمذي].
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقارض"
[رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة"
[رواه الترمذي].
أيها المبتلى.. لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فما
يزال الله تعالى يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ
تلك المنزلة..فلم الحزن إذا؟!
يكفر الذنوب
لما نزل قول الملك تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} اشتد ذلك على الصحابة –و
معنى ذلك أن على كل سيئة عقاب– حتى قال الصديق كيف الصلاح بعد هذه الآية يا رسول الله؟
فقال صلى الله عليه وسلم موضحا لفضل المرض وفائدته:
"غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرضُ؟
أَلسْتَ تَنْصَبُ أَلَسْتَ؟ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللأْوَاءُ؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِه...
[رواه أحمد]،
فقد بين صلى الله عليه وسلم أن المرض من الأسباب التي يمحو الله بها السوء والسيئات.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا
حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه"
[رواه البخاري].
فإذا كانت الشوكة وهي أدنى أنواع المرض تكفر الخطايا فمن باب أولى كل
مرض فوقها يكفر الخطايا، وهذا مسلك الشرع الحنيف إذا نبه على الأدنى فهو
تنبيه على الأعلى من باب أولى.
قال وهب بن منبه –رحمه الله-: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد
البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب
الرخاء ينتظر البلاء.