الاحكام الشرعية فى حيض النساء
حمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين،
أما بعد ..
مقدمة
الحيض أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم، وليس هو بعقوبةٍ لهن، ولكنه استجابة فطرية لما خلق الله عليه النساء من استعداد للإنجاب، وبهن يستمر الجنس البشري في الوجود.
وليس الحيض في اعتقاد المسلمين أمر ينقص من قيمة المرأة، كما كان عند اليهود وغيرهم، إذا حاضت المرأة لم يلمسها زوجها ولا ينام معها، ويهجرها، وذلك لأنهم اعتقدوا أن المرأة الحائض خبث ونجس، أما في الإسلام فلا يعدو أن يكون الحيض للمرأة شيئاً فطرياً، له أحكام خاصة تناسب هذه الحالة الخاصة التي تأتيها أيام معدودة في الشهر.
وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ﴿ كنتُ أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ، وأتعرَّق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ ﴾ (رواه مسلم).
وقد قال عبد الله بن سعد: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض ؟ فقال: واكلها. أي كل معها.
فليست الحائض نجساً وخبثاً ورجساً كما اعتقد اليهود، وإنما هنَّ في حالة خاصة، لها أحكام خاصة.
معنى الحيض
في الاصطلاح الشرعي
الحيض: هو دَمٌ أو صُفْرَةٌ أو كُدْرَةٌ، يخرجُ بنفسه، من فرج من تحيض عادة.
ومعنى ( هو دم أو صفرة أو كدرة ): أن الحيض ليس هو فقط الدم، بل السائل الأصفر الذي يأتي مصاحباً للحيض ( قبله أو بعده ) له حكم الحيض، وأيضاً السائل البُنِّي له حكم الحيض.
ومعنى: ( يخرج بنفسه ) أن ما خرج في الولادة فهو ليس بحيض، بل نفاس، وما خرج نتيجة علاج أو عملية أو مرض أو التهاب فهو ليس بحيض، بل هو دم علة ومرض.
ومعنى: ( يخرج من فرج من تحيض عادة ) أنه إذا خرج من الفتاة الصغيرة جداً، أو المرأة الكبيرة جداً فهو ليس بحيض، وإنما هو دم مرض.
مدة الحيض ومدة الطهر:
هناك قواعد أساسية في باب الحيض، وهي:
1- أقل ما يمكن أن يطلق عليه حيض هو دفقة أو دفعة، أي أن الحيض لا يشترط أن يستمر نزوله، بل لو نزل دمٌ قليل في زمن قليل بالشروط السابقة فهو حيض.
2- أكثر الحيض للمرأة هو خمسة عشر يوماً، فلو افترضنا امرأة نزل منها الدم في حيضها، فإنه إذا وصل إلى خمس عشرة يوماً يعتبر حيضاً، وما بعده لا يعدُّ من الحيض بل هو دم مرض وعلة.
3- أقل الطهر للمرأة هو خمسة عشر يوماً، فلو افترضنا امرأة لا يتوقف نزول الدم منها، فإنها حسب الفقرة السابقة (رقم 2) لا تزيد حيضتها عن خمسة عشر يوماً، ثم تعتبر نفسها طاهرة لمدة خمسة عشر يوماً، ثم تعد الحيضة بعد ذلك وهكذا .. فأقل الطهر بين حيضتين هو 15 يوماً.
هذه أحكام عامة، فإذا جئنا إلى تفصيل هذه الأحكام نقول:
الحائض نوعان:
1- مبتدأة، يعني هذه أول مرة تأتيها الحيضة.
2- معتادة، وهي من أتاها الحيض قبل ذلك.
أحكام المبتدأة:
بالنسبة للمبتدأة إذا نزل منها الدم، فيعتبر الدم دم حيض، وتعتبر المدة التي ينـزل فيها الدم مدة الحيض، وهي العادة التي تقيس عليها الحيضات التي تأتيها بعد ذلك.
وينبغي أن لا تزيد مدة الحيض عن 15 يوماً، حسب ما ذكر في الأحكام العامة قبل قليل.
أحكام المعتادة:
والمرأة المعتادة إذا نزل منها الدم حسب عادتها فهو دم حيض، ولا إشكال في ذلك.
أما إذا استمر نـزول الدم بعد فترة عادتها، فإنها تزيد ثلاثة أيام على عادتها، وتسمى هذه الأيام أيام الاستظهار، وما زاد على هذه الثلاثة أيام فهي ليست بحيضة، وإنما هو دم علة.
هذا في الشهر الأول لاختلال العادة، ثم في الشهر الثاني إذا استمر نـزول الدم بعد مجموع عادتها وثلاثة أيام فإنها تزيد ثلاثة أيام استظهار، ثم بعد ذلك هي طاهر، وهكذا إلى أن تصل 15 يوماً أكثر مدة الحيض.
مثال توضيحي: امرأة عادتها في الحيض ستة أيام، ثم حصل في إحدى المرات أن زادت أيام نـزول الدم عن ستة أيام، فإنها تـزيد ثلاثة أيام، فتعتبر حيضتها تسعة أيام، ثم إذا استمر نـزول الدم فهو دم علة ومرض، وليس دم حيض.
ثم في الشهر الذي يليه إذا استمر نـزول الدم عن تسعة أيام، فإنها تزيد ثلاثة أيام، فتكون حيضتها اثنا عشر يوماً، ثم ما زاد عن ذلك فهو دم علة وليس بحيضة.
ثم في الشهر الرابع إذا استمر نـزول الدم أكثر من 12 يوماً فإنها تزيد ثلاثة أيام، لكي تصل إلى 15 يوماً، وهي أكثر مدة الحيض، وبعد ذلك هو دم علة وليس دم حيض.
ثم في الشهر الذي يليه لا تـزيد أي أيام استظهار، لأن أكثر الحيض كما عرفنا هو 15 يوماً.
حالة أخرى لدم الحيض:
هناك حالة تحصل لبعض النساء، وكثيراً ما يسألن عنها، وهي تقطع أيام الحيض، أو تقطع نـزول الدم.
يعني أن الدم ينـزل يوماً أو يومين، ثم يغيب يوماً أو أكثر، ثم يرجع بعد ذلك.
فكيف يتم حساب أيام الحيض في هذه الحالة ؟
في هذه الحالة إذا كان الدم النازل على هيئة وصفة دم الحيض فتقوم المرأة بجمع أيام الحيض حسب ما هو مقرر في المسألة السابقة.
فإذا كانت المرأة مبتدأة: يعني هذه الحالة أول مرة تحيض فيها المرأة، يأتيها الدم يوم أو يومين أو أكثر، ثم يغيب لمدة يوم أو أكثر – أقل من خمسة عشر يوماً، لأنها أقل الطهر -، ثم يأتي مرة أخرى.
فتقوم بجمع أيام نـزول الدم، حتى تصير خمس عشرة يوماً، تُلَفِّقَها وتلتقطها، ثم بعد أن يصل حسابها إلى خمسة عشر يوماً (وهي أكثر مدة الحيض) تعتبر نفسها طاهرة حتى لو نـزل الدم، وذلك لمدة خمسة عشر يوماً (وهي أقل مدة الطهر)، وبعد أن تمر هذه الأيام (15 يوماً) تحسب بعد ذلك حيضة جديدة، وهكذا.
وإذا كانت المرأة معتادة: فإنها في حالة تقطع نـزول الدم، تلتقط أيام الحيض، وتقوم بحسابها إلى أن تـزيد على عادتها ثلاثة أيام هي أيام الاستظهار، ثم بعد ذلك هي طاهر لمدة خمس عشرة يوماً، ثم إذا استمر نـزول الدم تقوم بجمع
أيام الحيض، لمدة تزيد على آخر مرة ثلاثة أيام جديدة هي أيام الاستظهار.
فمثلاً: لو كانت عادة امرأة هي خمسة أيام حيض، ثم في إحدى المرات بعد الخمسة أيام توقف نـزول الدم لمدة يومين، ثم نـزل يوماً واحداً، ثم توقف ثلاثة أيام، ثم نـزل ثلاثة أيام متواصلة، فإنها في هذه الحالة تعتبر اليوم الأول الزائد أول أيام الاستظهار، وتأخذ من الثلاثة أيام التي بعده يومين فقط تتمم بهما يوم الاستظهار، لأن مدة أيام الاستظهار هي ثلاثة أيام فقط. وبذلك تكون قد حسبت حيضتها ثمانية أيام، ( خمسة أيام عادة + ثلاثة أيام استظهار تم جمعها من مرات متفرقة ).
ثم بعد مرور خمسة عشر يوماً ( أقل مدة الطهر )، إذا استمر الحال على التقطع، فإنها تقوم بتجميع 11 يوماً، هي ( 8 أيام عادتها في آخر مرة + 3 أيام استظهار ).
علامة الطهر من الحيض:
تعرف المرأة طهرها بشيئين:
1- الجفاف، وهو أن يتوقف نـزول الدم، ولا ترى له أي أثر.
2- القَصَّة البيضاء، وهي ماء أبيض يأتي لبعض النساء بعد انتهاء حيضتها، إذا نـزل لم ينـزل بعده دم، وتعرف به المرأة أنها طاهرة.
أحكام الحائض
للحائض أحكام خاصة في بعض العبادات:
1- لا يجوز لها أن تصلي، ولا تقضي الصلاة بعد ذلك إذا طهرت.
2- لا يجوز لها الصوم، ولكنها تقضي الصوم بعد أن تطهر.
والفرق بين الصوم وبين الصلاة، أن الصوم لا يتكرر في اليوم والليلة، بينما الصلاة تتكرر، فلذلك خفف الله سبحانه وتعالى على المرأة أمر الصلاة، ولم يخفف أمر الصوم، لأنه لو طالبها بقضاء الصلاة فستقوم بقضاء صلوات كثيرة، أما الصوم فهو أيام معدودة، ليس فيه عسر أن تقوم بقضائها.
3- يحرم على الرجل أن يجامع زوجته وهي حائض، ولكن يجوز لهما أن يفعلا أي شيء آخر دون الجماع.
قال الله تعالى: ﴿ ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ﴾.
وسأل عبدُ الله بن سعدٍ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿لك ما فوق الإزار﴾، والإزار هو الرداء الذي تضعه المرأة على موضع الحيضة
فلا يستمع الرجل من امرأته بما بين السرة والركبة، وله ما دون ذلك.
4- يحرم على المرأة الطواف حول الكعبة أيام حيضتها، لأن الطواف صلاة، والصلاة ممنوعة في أيام الحيض.
5- ويحرم على المرأة أيضاً دخول المسجد وهي حائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ﴾.
6- يحرم على المرأة مس المصحف وهي حائض، إلا إذا كانت معلمة أو متعلِّمة فيجوز لها ذلك (كما ذكر بعض أئمة المالكية)، ويجوز لها قراءة القرآن من حفظها، وكذلك يجوز لها قراءة كل الأذكار.
7- يحرم على الرجل أن يطلق امرأته وهي حائض، فإذا فعل ذلك فإن الطلاق يقع ويعتبر الرجل آثماً، وذلك لأنه في هذه الحالة يزيد عليها في مدَّة العدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر عن تطليق امرأته وهي حائض، وأمره بأن يراجعها، وهذا يعني أن الطلاق قد حسب عليه، لأن المراجعة فرع وقوع الطلاق.
ما يجب على الحائض إذا طهرت:
يجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل لقوله تعالى: ﴿ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾.
فذكرت الآية الطهر الأول، وهو الطهر من الحيض، ثم شرطت لجماع الرجل زوجته أن تتطهر بعد الطهر، وهو الغسل.
والصلاة لا تجوز إلا بعد الطهارة من الحدث الأكبر ( الجنابة والحيض ) والحدث الأصغر (وهو ما ينقض الوضوء).
ما هي الصلوات التي تقضيها المرأة بعد الطهر؟
لا يجوز للمرأة أن تقضي الصلوات التي كانت وهي حائض، لكن في بعض الحالات يدخل وقت الصلاة ثم يخرج دون أن تصلي المرأة، ثم بعد ذلك ينـزل دم الحيض، ففي هذه الحالة عليها بعد الطهر أن تقضي تلك الصلاة.
مثال: لو دخل وقت صلاة العصر، والمرأة طاهرة، فلم تصل إلى أن غربت الشمس ثم جاءت الحيضة للمرأة، ففي هذه الحالة فإنها بعد طهرها تقضي صلاة العصر، لأنها وجبت عليها وهي طاهرة.
صوم الحائض:
لا يجوز للحائض الصوم باتفاق المسلمين، لكنها إذا طهرت وجب عليها أن تصوم، فإذا انقطعت الحيضة بالليل فإنها تنوي الصوم وتصوم اليوم الموالي.
أما إذا ذهبت الحيضة في النهار، فإنها لا تمسك عن الطعام، بل يجوز لها الأكل والشرب، ولا يعتبر هذا اليوم من أيام الصوم، بل يجب عليها أن تقضيه.
وهناك حالة تقع لكثير من النساء، وهي أنهن يطهرن في الليل وهن نيام بحيث تستيقظ بعد طلوع الفجر فتجد نفسها قد طهرت، فكيف تفعل؟
في هذه الحالة فإنها تمسك اليوم الموالي، وبعد ذلك تقوم بقضائه.
لأن من شروط صحة الصوم النية، والنية لا تكون إلا بالليل لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل﴾، وهي عندما نامت لم تكن قد طهرت بعد، أو كانت شاكة، والنية لا تكون بالشك، بل يجب أن تكون النية جازمة قاطعة.
فلو أن شخصاً ما قال: إذا كان غداً أول يوم في رمضان فأنا صائم، ثم تبين أنه أول يوم في رمضان، فإن صومه غير صحيح، وعليه أن يقضي ذلك اليوم، وعليه أيضاً أن يمسك أيضاً هذا اليوم لحرمة شهر رمضان.
فكذلك الحائض لا يجوز لها أن تنوي الصوم وهي حائض، فيجب أن تنوي وهي طاهر، فإذا نامت وهي لا تدري هل هي حائض أم طاهر؟ فإن نيتها الصوم غير صحيحة، فإذا تبيَّن لها
أنها طاهر فتمسك ذلك النهار لحرمة الشهر، ثم تقضي ذلك اليوم.
أما الغسل فليس شرطاً لصحة النية، فإذا طهرت في الليل، لكنها لم تغتسل، فإنها يجب أن تنوي الصوم، وتصوم ذلك اليوم، لكن عليها أن لا تنوي تأجيل الغسل إلى ما بعد شروق الشمس، لأنها في هذه الحالة قد نوت ترك صلاة الصبح في وقتها، فعليها أن تعزم على الغسل قبل شروق الشمس في حالة ما إذا تكاسلت عن الغسل من الحيض في الليل.
هذه بعض المسائل والأحكام الخاصة بحيض النساء، كثر السؤال عنها، أرجو أن يجد فيها الأخوات أجوبة عن كثير مما يقع في حالة الحيض، وإذا لم تكن هناك مسألة مكتوبة هنا فيمكنهم سؤال أهل العلم عنها، والله وحده الموفق، لا رب غيره، ولا معبود سواه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.