مواقف لاتنسى في حياة الصحابيات
ام حرام بنت ملحان الانصارى
قالت أم حرام: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا". قالت أم حرام: يا رسول الله: أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم ".
ترامى إلى مسامع أم حرام، وهي في قباء، استئذان معاوية من عثمان أن يغزو في البحر
وموافقة عثمان على ذلك. فتذكرت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكانت قد وصلت إلى خريف العمر، وبلغت من الكبر مرحلة لا تستطيع أن تجاهد فيها
. لكنها تلهـفت لركوب البحر والجهاد في سبيل الله. ألم يقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أنت من الأولين "؟ إنها لا تطمع بمغنم ولا تتوق لفوز، ولكن رغبتها في الجهاد
هي التي كانت تدفعها. وطلبت من عبادة زوجها أن يستأذن لها عثمان بن عفان
، وألحت في طلبها، حتى وافق لهما عثمان بمرافقة الجيش.
كما أذن لغيرهما من كبار الصحابة أمثال أبي ذر الغفاري وأبي الدرداء وغيرهما.
اتجهت أم حرام مع زوجها إلى حمص، حيث أقامت فترة، ريثما تعبأ الجيوش، وتنظم الفرق.
وجلست هناك تحدث خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف بشرها بالغزو بالبحر،
وأنها من الأولين السابقين في ذلك الغزو. وتفاءلت إلى أبعد حد،
أنها ستجاهد مع جيش معاوية فتتحقق نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وآن وقت التنفيذ وجهزت السفن أسطولا لغزو قبرص. فركبت أم حرام مع زوجها عبادة إحدى السفن،
مع الفاتحين المسلمين، وجلست تتأمل البحر وما حولها: إنهم فعلا كالملوك على الأسرة،
وإذا بنبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتردد في أذنيها: كالملوك على الأسرة،
أنت من الأولين. وتحس فعلا أنهم كالملوك على الأسرة مع يقينها
أنها من الأولين. وشرعت تحدث من حولها بنبأ تلك النبوءة وتفخر وتسعد بذلك.
وغزا معاوية وجنوده قبرص، ومعهم عبادة وزوجته أم حرام،
واشتد القتال بين المسلمين وأهل قبرص في البر والبحر، حتى استسلموا للمسلمين وطلبوا الصلح.
وانتهت المعركة واستعدت الجيوش للعودة من حيث جاءت وقد غنمت وما غرمت
. وبدأت ترجع إلى الشام على سفنها، كالملوك على الأسرة. وتهيأت أم حرام للعودة
، متوكلة على الله. ولكنها كانت قد أسنت وضعف جسدها، ووهنت قوتها، فقربوا لها بغلة
تمتطيها، لتوصلها إلى السفينة المعدة لها. فزلت قدمها وسقطت على الأرض،
لا تقوى على النهوض. أسرع إليها زوجها عبادة رضي الله عنه،
وعدد من كبار الصحابة يساعدونها ويسعفونها لكنها كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة
. مطمئنة النفس باسمة الثغر مشرقة المحيا. فنقلوها إلى حيث
قاموا بتجهيزها ثم دفنها وذلك في العام السابع والعشرين من الهجرة.