بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
سورة الشعراء - آية (80)
كلامنا اليوم عن المرض والمرض نوعان
مرض القلوب ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن
و كلمة سمعتها لو صحت القلوب صحت الأبدان بفضل الله
الغالبية العظمى من البشر يجزع عند مرض البدن له أو لعزيز
فماذا عن مرض القلوب
ومرض القلوب نوعان :
مرض شبهة وشك ، ومرض شهوة وغي ، وكلاهما في القرآن .
قال تعالى في مرض الشبهة :{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} (البقرة 10)
وقال تعالى : ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) ( المدثر :31)
وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة فأبى وأعرض
( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم
مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون)
( النور : 48 و 49)
فهذا مرض الشبهات والشكوك .
وأما مرض الشهوات ، فقال تعالى: ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء )
(إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) ( الأحزاب : 32 .)
فهذا مرض شهوة الزنى ، والله أعلم
و نأتي لمرض الأبدان
ولهفة الإنسان على البحث عن الدواء والكثير من الخلق يتعلق بالأسباب ويترك رب الأرباب
تراهم يقولون هذا الطبيب ماهر وهذا مطلع وهذا فذ وعبقري
وتراهم تارة أخرى يقولون هذا الدواء نافع وهذا مجرب وهذا وهذا
وأين الله في قلوبهم أين تعلقهم بمسبب الأسباب ؟؟
يصبح هناك غلو في الطبيب والدواء في كونهم سبباً كونياً لا أكثر
وتعلق الناس بالطواغيت ويشركونهم مع الله في قلوبهم
والأصل هو تجريد القلوب من تعظيم غير الله سبحانه وتعالى
فإذا صحت القلوب وتعلقت بالله سبحانه وتعالى رزقها الصحة والعافية في الدنيا والآخرة
لطيفة من اللطائف
ولنتأمل هذه الآية مع سيدنا إبراهيم عليه السلام خليل الله
فنقرأ كلام لفضيلة الشيخ صالح المغامسي
من برنامج معالم بينانية في آيات قرآنية
هذه الآية جاءت ضمن سياق آيات في قضية إخبار إبراهيم عن ربه تبارك وتعالى مع قومه
قال الله جل وعلا عنه أنه قال
(قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76))
ثم أخذ إبراهيم يعدد صفات ربه تبارك وتعالى ويثني عليه بما هو أهله ..
ويبين مقام الربوبية العظيم الذي لا يشارك الله جل وعلا فيها أحد ولا ينازعه فيه .. فقال
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (80)
نلحظ هنا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في كل تلك الأمور نسبها إلى لربه جل وعلا ..
أما المرض فنسبه إبراهيم إلى نفسه ..
مع يقيننا أن إبراهيم يعلم أن المرض من الله تبارك وتعالى فربنا جل وعلا الخير كله بيديه والشر ليس إليه ,
لكن إبراهيم عليه السلام أراد بهذا التأدب مع رب العزة والجلال ..
وهذه هي الغاية العظمى من إسناده المرض إلى ذاته , إلى نفسه .. قال
( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )
وهذا الأمر – أي الأدب مع الله جل وعلا – حليةٌ وأي حلية , تحلى بها الأنبياء والصالحون من بعدهم وسيبقى الأمر إلى يوم الدين ,
فالأدب مع الرب تبارك وتعالى منزلة عالية يوفق إليه أهل الطاعات ويرشد إليها أهل الفضائل ,
وقد كان الأنبياء عليهم السلام يتنافسون في هذه المنزلة ,
ظاهر ذلك جلي من خطابهم مع ربهم جل وعلا .
وذلك يوضح أن الخطاب الأدبي مهم جدًا في تعاملنا مع الغير ,
دون أن يكون في ذلك نقص في أنفسنا ولا انتقاص لغيرنا .
.
حديث للبخاري في تكفير المرض للذنوب
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن محمد حثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير
بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه }.
( المرض كفارة للذنوب والخطايا ) جزء من محاضرة : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) للشيخ : ( عائض القرني )
المرض كفارة للذنوب والخطايا
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
- رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ
- أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:190- 193].
يقول البخاري رحمه الله تعالى:في كتاب المرضى -شفاكم الله من المرض- قال تعالى:
( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].
ونحن نسأل الله لنا ولكم العافية ففي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن العباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له - : {يا عمي يا عباس ! سل الله العفو والعافية } وكان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -في المسند – يقول
- : [[اسألوا الله العفو والعافية فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيراً من العافية ]] والعافية في الأبدان والأديان والبلدان،
- فالعافية في الأبدان: صحة وقوة ونشاط، والعافية في الأديان: سلامة ونجاة ومنهج، والعافية في البلدان: أمن ورخاء وازدهار.
باب ما جاء في كفارة المرض،
والمسلم لا يأتيه شيء يصيبه إلا كفَّر الله به من خطاياه كضربة الشمس والجوع والظمأ والهم والغم فكل ما أصابك فهو كفارة لك فاحتسبه في ميزان الواحد الأحد،
وقول الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123]
هذه الآية أبكت أبا بكر الصديق فعندما نزلت هذه الآية تفصم ظهر أبي بكر وهو بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تماط فقال - له صلى الله عليه وسلم: {مالك؟! قال: يا رسول الله! يقول الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123]
- وكيف العمل بعد هذه الآية، كلفنا من الأعمال ما نطيق ولكن كيف نعمل بعد هذه الآية أإذا وقع منا كل سوء عاقبنا الله مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه ) [النساء:123]
- قال صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر ! ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ ألست تهتم؟ ألست تغتم؟ قال: بلى. يا رسول الله! قال: فذلك كفارة }.
فالحمد لله الذي جعل لنا هذه الأمور كفارة وإلا فخطايانا ملأت السهل والجبل، وإذا لم تدركنا رحمة الله وعفوه وكرمه فقد هلكنا، إذاً كل ما يصيب المسلم فهو كفارة.
وابن عباس عاش ليلة طويلة بطيئة النجوم هادئة السحر يبكي حتى الصباح من قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ) [النساء:123].
( اللهم اشفي جميع مرضى المسلمين والمسلمات يا شافي يامعافي يا رب العالمين )
منقول .
اتمنى يفيدنا جميعا ويكون صحيح بكل ما فيه .
تحيــــــاتى ..