صور من محاسن الإسلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالدين الإسلامي كله محاسن ومصالح، فهو دين اليسر والسماحة
والسهولة، دين العدالة والمساواة، دين الألفة والمحبة والإخاء، دين العلم
والعمل، دين يهدي للتي هي أقوم، دين الكمال والشمول، دين الوفاء والصدق
والأمانة، دين العزة والقوة والمنعة، دين أساسه التوحيد، وروحه الإخلاص،
وشعاره التسامح والإخاء.
ومن محاسن الإسلام: ما شرعه من إقامة الحدود على المجرمين التي
فيها زجر الناس عن الجراءة على المعاصي التي نهى الله – تعالى- عنها، وبذلك
حفظ الإسلام الدين والنفس، والعقل والمال، والنسب والعرض، وإليك التفصيل:
1- حفظ الدين: ولذا حرم الإسلام الردة وهي الكفر بعد الإسلام بأن
يتكلم بكلمة الكفر أو يعتقدها، أو يشك شكّاً يخرجه عن الإسلام، أو يشرك
بالله في القول أو الاعتقاد أو العمل، كدعوة غير الله، أو الذبح لغيره، أو
التوكل على غيره في جلب نفع أو دفع ضر، أو حصول نصر أو غير ذلك مما لا يقدر
عليه إلا الله وحده، أو يستحل ما حرم الله، أو يحكم بغير ما أنزل الله، أو
يترك الصلاة ونحو ذلك من أنواع الردة، وهي تحبط الأعمال، ولحفظ الدين وجب
قتل المرتد عن الإسلام لأنه يعتبر جرثومةً ضارة، وعضواً أشل في المجتمع قال
- صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري وغيره، وذلك
ليحفظ على الناس دينهم فيفوزوا بالسعادة الأبدية، وفي ذلك ردع بالغ عن
تبديل الدين وإضاعته.
2- حفظ النفوس: ولذا حرم الله القتل وسفك الدماء، أعني دماء
المسلمين وأهل الذمة المعاهدين، وتوعد على ذلك بالوعيد الشديد قال الله –
تعالى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ
عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء آية: 93، لذا فالقتل كبيرة من كبائر
الذنوب، وهو أحد السبع المهلكات قال - صلى الله عليه وسلم -: (اجتنبوا
السبع الموبقات)1 وذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق - وهي نفس
المسلم المعصوم -، والحق الذي يبيح قتلها هو القصاص "النفس بالنفس"، والزنا
بعد الإحصان – الزواج -، والكفر بعد الإسلام.2
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم
رقاب بعض) متفق عليه، وقال: (من قتل معاهد لم يرح رائحة الجنة) رواه
البخاري، فإذا كان هذا في قتل المعاهد (وهو من أُعطيَ عهداً من اليهود
والنصارى) فكيف بقتل المسلم، ولحفظ النفوس واحترامها وجب قتل القاتل عمداً
ليأمن الناس على أنفسهم قال – تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}سورة البقرة: من الآية
178، وقال - تعالى-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة: آية 179 أي تنحقن بذلك
الدماء، وتنقمع به الأشقياء، لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل لا يكاد يقدم
على القتل، وإذا رؤي القاتل مقتولاً انذعر بذلك غيره وانزجر، فلو كانت
عقوبة القاتل غير القتل لم يحصل انكفاف الشر الذي يحصل بالقتل، ومن الأمثال
العربية (القتل أنفى للقتل)، وهكذا سائر الحدود الشرعية فيها من النكاية
والانزجار ما يدل على حكمة الحكيم الخبير بمصالح خلقه.
3- حفظ العقول: ولذا حرم الله كل مسكر وكل مخدر ومفتر كالخمر
والحشيش والأفيون والدخان قال الله – تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ}سورة المائدة: آية 90 والخمر ما خامر العقل: أي غطاه بالإسكار
سواء كان رطباً أو يابساً، مأكولاً أو مشروباً، وهي أم الخبائث، وجماع
الإثم، ومفتاح كل شر، فمن لم يجتنبها فقد عصى الله ورسوله، واستحق العذاب
بمعصية الله ورسوله، وسميت أم الخبائث لأن شاربها إذا سكر فعل كل جريمة وهو
لا يشعر، وحرم الله الخمر لما اشتملت عليه من المفاسد وتحطيم الشخصية
وإطفاء جوهرة العقل، فالخمر تذهب المال وتذهب العقل، ولو لم يكن فيها من
المخازي إلا ذهاب المال، ونقص الدين، وتشويه السمعة، وسقوط العدالة؛ لكفى
العاقل أن يجتنبها، فكيف وإنها أم الخبائث والرذائل؟ ولحفظ العقل وجب جلد
شارب الخمر ثمانين جلدة ليرتدع الناس عن هذه الجريمة فتبقى عقولهم سليمة
ليعقلوا بها عن الله أمره ونهيه فيفوزوا بالسعادة، ويسلموا من الشقاوة.
4- حفظ الإسلام المال: فحرم السرقة وهي أخذ مال الغير المحترم
خفية بغير رضاه، وهي من كبائر الذنوب الموجبة لترتب العقوبة الشنيعة وهي
قطع اليد حفظاً للأموال، واحتياطاً لها، فيرتدع السراق إذا علموا أنهم
سيقطعون إذا سرقوا فيأمن الناس على أموالهم قال الله – تعالى-:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا
كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}سورة المائدة:
آية 38.
5- حفظ الإسلام الأنساب: فحرم الله الزنى ووسائله من النظر
المحرم، والكلام المحرم، والسماع المحرم؛ لما في الزنى من انتشار الأمراض،
وانتهاك الأعراض، واختلاط الأنساب، فينسب الولد إلى غير أبيه، ويرث من غير
أقاربه، فيحصل بذلك من الظلم والمفاسد ما الله به عليم {وَلَا تَقْرَبُوا
الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}سورة الإسراء: آية 32،
والنهي عن قربانه أبلغ من مجرد النهي عنه أي لا تحوموا حوله ولا تعملوا
الوسائل الموصلة إليه، ولحفظ الأنساب وجب جلد الزاني البكر مئة جلدة مع
تغريبه عن بلده الذي واقع فيه الجريمة لمدة لسنة قال – تعالى-:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}سورة النور آية 2، أي لا
ترحموهما في إقامة الحد الذي شرعه، وليحضر الجلد جماعة من الناس ليشتهر
ولينزجر الناس، ويرتدعوا عن الزنى، كما يجب رجم الزاني المحصن (المتزوج)
بالحجارة حتى يموت بالآية المنسوخ لفظها الباقي حكمها، وبالسنة الصحيحة،
والجلد والرجم بعد ثبوت الزنى بشهادة الشهداء، أو بإقراره على نفسه أربع
مرات، أو بظهور نتائج الزنى في المرأة.
6- حفظ الإسلام الأعراض من الوقيعة فيها: ولذا حرم الله قذف
الأبرياء بالزنى، وتوعد على ذلك بالوعيد الشديد قال الله – تعالى-: {إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}سورة النور: 23، 24 وقال – تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ
ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }سورة النور: 4، 5،
بيَّن الله – تعالى- في هذه الآيات أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن
الزنى بأنها قد فعلت الفاحشة - أنه - ملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب
عظيم، وعليه الحد في الدنيا ثمانون جلدة، وتسقط شهادته، وأنه فاسق ساقط
العدالة، وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجتنبوا
السبع الموبقات - وذكر منها - قذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، والقذف هو
الرمي بالزنى بأن يقول لامرأة مسلمة حرة عفيفة: يا زانية، أو يا عاهرة، أو
يقول لزوجها: يا زوج العاهرة، أو يقول لولدها: يا ولد الزانية، أو يا ابن
العاهرة، أو يقول لبنتها: يا بنت الزانية، أو يا بنت العاهرة، فإن العاهرة
عبارة عن الزانية، فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة لرجل أو لامرأة وجب
عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم على ذلك بينة، والبينة ما قال الله –
تعالى- أربعة شهداء، يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذلك الرجل،
فإذا لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو طالبه بذلك الذي
قذفه، وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة
في الدنيا والآخرة، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (وهل يكب الناس في
النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).3
وبإقامة هذه الحدود المتقدمة يأمن الناس على دينهم وأنفسهم،
وعقولهم وأنسابهم، وأموالهم وأعراضهم، فيرتدع الناس عن هذه الجرائم،
ويفوزوا بالسعادة في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وهذا بخلاف القوانين الوضعية
التي غيرت أحكام الله وحدوده، وبدلتها بقوانين من وضع البشر الناقصين من كل
وجه، حيث جعلت جزاء المجرمين المعتدين على الناس - بانتهاك حرماتهم
ودمائهم، وأموالهم وأعراضهم - السجن أو الغرامات المالية فقط، فكانت
النتيجة انتشار الجرائم والفوضى، وانتهاك الحرمات والاعتداء على الأنفس
والأموال والأعراض من غير مبالاة ولا حياء، ولا وازع ولا رادع، فصار الناس
في تلك الدول المعطلة لحدود الله لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم
وقد قال الله – تعالى-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}سورة المائدة: من الآية 44، وقال – تعالى-:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ
حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}سورة المائدة: آية 50، فما جاءت به الشريعة
الإسلامية من الحدود وتنوعها بحسب الجرائم من محاسن الإسلام؛ لأن الجرائم
والتعدي على حقوق الله وحقوق عباده من أعظم الظلم الذي يخل بالنظام ويختل
به الدين والدنيا، فوضع الإسلام للجرائم حدودا تردع عن مواقعتها وتخفف من
وطأتها من القتل والقطع والجلد وأنواع التعزيرات، وكلها فيها من المنافع
والمصالح الخاصة والعامة ما يعرف به العاقل حسن الشريعة.4
ومن محاسن الإسلام: ما فرضه من أحكام وعبادات تنظم حياة الإنسان، وتبعث في نفسه الراحة والطمأنينة والسعادة.
فمن ذلك الصلاة: التي جعلها الله تعالى صلة بينه وبين العبد، تذكر
المسلم بربه في اليوم خمس مرات إضافة إلى النوافل التي يؤديها المسلم خلال
يومه.
ويجد المسلم الحكمة العظيمة في تحديد أوقات الصلوات بما ينظم
حياته، حيث إن صلاة الفجر كان وقتها في نهاية الليل وبداية النهار، مما
يدعو المسلم إلى التوجه بعد الصلاة إلى مصالحه الدينية والدنيوية، إلى
الظهر، وهو وقت طويل وكاف لقضاء كثير من الأعمال، بعد ذلك يعود الناس إلى
صلاة الظهر، ثم بعدها يأخذون شيئا من الراحة، ثم تأتي صلاة العصر، وبعدها
يبقى وقت يقضي فيه المسلم أعماله السريعة، وقد يخصص لزيارات ولقاءات
مختلفة، أو استغلاله في طلب علم ونحو ذلك، ثم تأتي صلاة المغرب بعد انتهاء
النهار ودخول الليل، ليبدأ الإنسان ليله بذكر الله تعالى، ومن الحكمة
الإلهية أن جعل الله الوقت بين المغرب والعشاء يسيراً من أجل أن ينتظر
الناس صلاة العشاء، فيدركون الفضل العظيم الذي أخبر عنه النبي -صلى الله
عليه وسلم- فيمن انتظر صلاة إلى صلاة فكأنه في صلاة، ثم إنه كان وقت صلاة
العشاء أول الليل وبعد المغرب بساعة تقريباً ليعود الإنسان إلى الراحة
الليلية من نوم وغير ذلك، ولم يفرض الله تعالى صلاة ولا غير ذلك بعد صلاة
العشاء حتى الفجر، فلو فرضت صلاة في نصف الليل لكان في ذلك مشقة على الناس،
ولكن من رحمة الله وحكمته أن جعل ذلك الوقت طويلاً جداً ليأخذ المسلم
وقتاً كافياً للراحة والنوم، ثم جعل العبادات في ذلك الوقت مستحبة وحث
عليها ولكنه لم يوجبها ولم يفرضها، وهكذا الحكمة في الوقت بين الفجر
والظهر، فهو وقت طويل جداً يصلح به الإنسان أموره، وقد استغل المسلمون في
بلدانهم هذا الوقت للدوام الرسمي..
إن هذا الترتيب يظهر أن الإسلام دين نظام وإتقان، رتب حياة الإنسان على ما يوافق مصالحه.
كذلك من محاسن الإسلام: فرض الصيام على الناس، في العام شهراً
كاملاً، وهذا فيه طاعة لله تعالى، وتعود على ترك المألوف، واستفراغ لما في
الجسم من مواد فاسدة، لا تزول إلا بالصيام، وقد أثبت الطب الحديث فوائد
جليلة للصيام، وهذا لا يعني أن الإنسان عندما يصوم إنما يصوم لأجل صحة
البدن، بل هو عبادة قبل كل شيء، ويستفيد المسلم من الطب الحديث فيما يظهر
إعجاز الإسلام كدين إلهي عظيم. وسوف يظهر الإعجاز العملي كل يوم فوائد
الصيام، والحكمة في تحديده بشهر رمضان، ولماذا كان في العام شهرا واحداً،
حتى يعلم الناس أن هذا الشرع من حكيم خبير، بعد أن طغت على الناس ماديات
الحياة وزخارفها، وغرهم ما عليه الغرب من مدنية زائفة، وما ينظر إليه بعض
المنافقين من المشقة في فرض الصيام، وهروبهم إلى بلدان الغرب ليتخلصوا من
الصيام، في بلدان الفساد والإلحاد.
إن الصيام عبادة للرب وطهارة للنفس، وسبب في التكافل والتعاون،
وتقديم يد العون للفقير والمسكين، عندما يرى الغني المسلم أنه يجوع ويتعب
فيتذكر الفقراء والمحتاجين.
أما إذا جئنا إلى الزكاة فهي أيضاً من محاسن الإسلام، ومزايا الشريعة، فليس في الأرض نظام نظم هذه الأموال كما نظمها الإسلام.
إن نظام المكوس والضرائب التي أثقلت الناس في الأرض ملغاة في شريعة
الله تعالى، ولقد وضع الله الزكاة لتكون رحمة للغني والفقير، وليس
كالضرائب التي تؤخذ من الفقير والمسكين، بل إن تلك المكوس لا تؤخذ مجاملة
من بعض أهل الشأن كما هو واقع في بعض بلاد المسلمين.
أما الزكاة فإنها تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، ثم إن أحق
الناس بها فقراء البلد التي أخذت منها، فلا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا بعد
أن يكتفي أهل ذلك البلد وتلك المنطقة، فأي نظام يدير الأمور بهذه الطريقة
أفضل من نظام الإسلام!
لقد انتشر الفقر في كثير من بلدان العالم ومن ذلك بلدان المسلمين، بسبب البعد عن المنهج النبوي في أخذ الزكاة وصرفها.
لقد وصل الأمر في زمن حكم الخلفاء الراشدين وزمن حكم عمر بن عبد
العزيز وحكم الحكام العادلين بعدهم، إلى أن فاض المال واستغنى البشر في ذلك
الزمن، وكان الخلفاء يعطون الناس عطاء من لا يخشى الفقر، بل كان ذلك في
زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما طبقت مبادئ الإسلام الحسنة في الزكاة
جمعاً وتصريفاً..
أما حين ينتشر الظلم وتمنع الزكاة، أو توزع توزيعاً جائراً، فحينئذ يكثر الفقر والفاقة وتزداد المشاكل والفوضى في المجتمع..
ومن محاسن الإسلام: الحج إلى البيت الحرام، فهو فريضة قائمة دائمة
إلى قيام الساعة، وقد كانت فريضة على من قبلنا.. إن حج بيت الله تعالى موسم
كبير ومحطة مهمة في تاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها، وهذا البيت العتيق
جامعة كبرى وملتقى جماهيري فريد، يجمع المسلمين من أصقاع الأرض، ويوحد
بينهم في مشاعرهم وأعمالهم، لا يعرف الغني ولا الفقير، كلهم بلباس واحد،
ومواقف محددة، ليس للغني فضل على الفقير في شيء من مناسك الحج ومشاعره،
وهذا يظهر أن الإسلام جاء ليساوي بين الناس جميعاً ويلغي طبقات الجهل
والجاهلية التي داسها محمد -صلى الله عليه وسلم- بقدميه، إن الناس عند الله
تعالى سواء لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى.
إن هذه الأركان العظيمة والركائز المتينة التي لا يقوم الإسلام إلا
عليها، جاءت لتجعل من الإنسان مخلوقاً مكرماً لا حيواناً يأكل ويشرب
ويتمتع كما تفعل الحيوانات، وإن كل ذلك يظهر محاسن الدين الخالد والشريعة
السمحاء التي أعطت كل ذي حق حقه.
ومحاسن الإسلام كثيرة لا تحصى في هذا الدرس المختصر، فإذا جئنا إلى
تنظيم الإسلام شؤون الأسرة والعلاقات المشتركة بين المسلمين أنفسهم، وبين
المسلمين وغيرهم من الكفار المعاهدين وأهل الذمة والمحاربين لوجدنا جمال
الشريعة وحسنها وكمالها.
بل إن الإسلام لم يغفل جانب التعامل مع المخلوقات الأخرى كالجن
والحيوانات وغير ذلك من المخلوقات كالجمادات ونحوها، فأعطى لكل ذي حق حقه،
ولم يُتوفَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد أكمل الله به الدين وأتم
به النعمة، وأظهر به محاسن الشرع الحنيف..
فلله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.