رفقا بي يا بني...
للوهلة الأولى
قد يستغرب القارئ من عنوان المشاركة، ويطلق العنان لفكره ليسأل أحقاً
هناك إساءة من الأبناء تجاه الوالدين؟ لم يتخيل أحد للحظة أن يؤذي ابن
والده أو والدته، ولكن الحقيقة المرّة أن الآباء يواجهون الإساءات المتتالية
من الأبناء ولكنهم يصبرون عليها تحت مسمى: إنه ابني ماذا أفعل؟ أأغضب
عليه أم أسامحه وتكون المسامحة والصبر على ذلك .
بالأمس القريب
أخبرني صديق لي بأن حفيده الصغير جاءه يطلب منه مصروفاً، لأن والده
لا يملك ما يعطيه. بكل سرور يعطي الجد حفيده مصروفا لينطلق إلى البقالة
المجاورة ليشتري منها بعض الحلوى.
ويكمل الصديق
كلامه بان زوجته الثانية (ليست والدة الابن والد الحفيد) قالت له:
لقد أخبرتني زوجة ابنك بأن بيتهم لا يوجد فيه رغيف خبز ولا حتى بيضة ... فأسرعتُ إلى بائع الخضار
والبقالة والجزار وبائع الدجاج وإلى المخبز، فاشتريت لهم كل ما يلزم من مؤونة
تكفيهم أسبوعا على الأقل.
تنهد الصديق طويلاً وكادت الدمعة أن تسيل على وجهه الذي
رسمت عليه خطوط الكبر والعجز، فهو ابن السادسة الستين من العمر.
وبعد صمت قال: - ألا تعلم ماذا فعل ابني هذا بي قبل شهور
خمسة مضت؟!
قلت: خيراً إن شاء الله؟
قال: - أي خير يا أخي
فوالله طردني من بيته قائلاً اخرج من بيتي، يمرُّ علي فلا يطرح السلام عليَّ ولم
يسأل عني
عندما مرضتُ ولزمت المستشفى.
سألته: - لماذا كل هذا
الحقد الدفين ؟
قال: - بعد أن أعطيته شقة
جاهزة وزوجته قبل أربع عشرة سنة وأنا أدفع عنه فاتورة الكهرباء والماء حتى حصلت
المشكلة الأخيرة.
زاد فضولي فاستفسرت عن ماهية المشكلة لأنني أحسست بأنه يريد
أن ينفس عما بداخله ويشكو همَّه.
قال: - كانت عندي شقة مؤجرة وبعد
أن خرج المستأجر من الشقة عرضتها للبيع ، فاعترض ابني على ذلك وأراد أن يأخذها
ويترك الشقة التي سكن فيها فترة أربع عشرة سنة، فلم أستمع له وبعتُ الشقة.
وفي اليوم التالي جاء ابنه
الكبير لزيارتي كعادته فإذا بالأب يضربه و يمنعه من دخول بيتي.
ذهبت لأستفسر عما جرى فإذا به يطردني قائلاً اخرج من بيتي.
فخرجتً ولم يسلم علي في عيدين مضيا وكذلك لم
يزرني عندما مرضت ولزمت المستشفى.
هو يشتغل
وبيده صنعه ممتازة، ولكن الله لم يطرح له بركة في رزقه.
ثم دخل صديقي في صمت عجيب أحسستً وكأن جرحاً عميقاً بداخله،
جرح لا يداويه إلا الله.
تركته لصمته بضع لحظات، ثم خاطبته قائلاً:
- لا
عليك فهناك
من ترك والده على قارعة الطريق وآخر رمى به في بيت المسنين ولم يزره منذ
سنين وهناك وهناك... ولكن يا صديقي لو جاء رجل وقال لك: لقد تعرض ابنك لحادث
سير وهو في المستشفى، ماذا تفعل؟
أجاب سريعاً: أذهب إليه...
فقلت: - وها أنت اليوم تقدم لأسرته الطعام (لأن
الدم ما يصير ميه كما يقول المثل)، سامح ابنك لعل الله يوفقه في عمله ويحفظ له
أسرته.
فقال لي والدموع تذرف من عينيه: - الله يسامحه ويغفر
له.
صبر هذا الأب على أذى ابنه وزاد على ذلك أن سارع لنجدة أسرة
ولده وسامحه مع أن الجرح كبير كبير.
(قصة
حقيقة)
اللهمَّ احفظ لنا أولادنا ووفقهم لما تحب و ترضى.
منقول