قصة الجالوت وطالوت وداوود
وقوله (الم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد
موسى إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في
سبيل الله ـ إلى قوله ـ والله عليم بالظالمين)
قال حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى
الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي بصير عن
ابي جعفر (عليه السلام) إن بني إسرائيل بعد
موسى (عليه السلام) عملوا المعاصي وغيروا
دين الله وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي
يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا
النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط
فاذلهم وقتل رجالهم واخرجهم من ديارهم
واموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم
وقالوا سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل
الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت
والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم
الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك " قالوا
ابعث لنا ملكا.. الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن
الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك
(وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق
بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت
النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف، وكان
طالوت من ولد بن يامين اخي يوسف لامه لم
يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال
لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في
العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله
واسع عليم) وكان اعظمهم جسما وكان شجاعا
قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر
فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال (لهم نبيهم
إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من
ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله
الملائكة) وكان التابوت الذي انزل الله على
موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم، فكان في
بني إسرائيل معظما
يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه
الالواح وما كان عنده من آيات النبوة واودعه
يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى
استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات
فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام
التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا
بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث
الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم
التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم " فان
التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين
المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه
الانسان، حدثني ابي عن الحسن بن خالد عن
الرضا (عليه السلام) انه قال السكينة ريح من
الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان اذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم
التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل او يغلب، ومن
رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.
فاوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي
عليه درع موسى (عليه السلام) وهو رجل من
ولد لاوي بن يعقوب (عليه السلام) اسمه داود
بن آسي، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين
اصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل
وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر
ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده
فالبسه درع موسى (عليه السلام)، منهم من
طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي
هل خلفت من ولدك احدا؟ قال نعم اصغرهم تركته
في الغنم يرعاها فبعث اليه ابنه فجاء به فلما
دعي اقبل ومعه مقلاع (1) قال فنادته ثلاث
صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في
مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا،
فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت
عليه، ففصل طالوت بالجنود
وقال لهم نبيهم يابني إسرائيل (ان الله مبتليكم
بنهر) في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من
حزب الله، ومن لم يشرب منه فانه من حزب الله
الا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر
اطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة بيده
(فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه
كانوا ستين الفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال
الله، وروي عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه
قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة
وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى
جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا
اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يشربوا
(ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا
على القوم الكافرين) فجاء داود (عليه السلام)
حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على
للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره
وجنوده بين يديه، فاخذ داود من تلك الاحجار
حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء
ووقع عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به
في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى
جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته
ووصل إلى دماغه ووقع إلى الارض ميتا فهو
قوله (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه
الله الملك والحكمة)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الاحجار إلى الصيد ونحوه.