اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
تفسير لحديث قدسى
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تبارك وتعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب عبدي إليَّ بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّبُ إلي َّ بالنوافل حتى أحبَّه فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءتَه ولا بد له منه )
. رواه البخاري
الشرح
هذا الحديث أيضاً فيه إثبات صفة المحبة لله جل وعلا ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ) يعني : يُسَدّد في سمعه ( بصره الذي يبصر به ) يعني : يسدد في بصره ( ويده التي يبطش بها ) يعني : يسدد في يده فلا يحصل منه بهذه الجوارح إلا ما يحب الله جل وعلا فيوفق ويعان فيها على فعل الخير وعلى ترك الشر من جهة سمعه وبصره ويده ورجله .
وقوله عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث القدسي قال الله جل جلاله : ( وما ترددت في شيء أنا فاعله ) فيها ذكر التردد مضافاً إلى الله جل وعلا وهل هو صفة لله أم لا ؟!
بعض أهل السنة لا يضيف التردد إلى الله جل وعلا صفة لأنه منقسم إلى محمود ومذموم ، وإطلاق الإضافة يعني إطلاق الوصف فيما ينقسم إلى محمود ومذموم الأصل خلافه ولأن الأصل ألا يضاف إلى الله جل وعلا إلا ما هو محمود والتردد قد يكون عن نقص علم والله جل وعلا منزه عن ذلك . ولهذا ذهب من ذهب من أهل العلم إلى عدم إثبات صفة التردد إلى الله جل وعلا لأنهم جعلوا منشأ التردد عن عدم علم أو عن جهل أ, عن عدم قدرة أو عن عدم قوة على إنفاذ الشيء وأشباه ذلك فمنعوا وصف الله جل وعلا بالتردد .
والقول الثاني عند أهل السنة أن التردد صفة من صفات الله جل وعلا وأن تردده سبحانه وتعالى بحق ، وأن حقيقة التردد ليس معناها أنها تنشأ عن جهل أو عن عدم قوة أو قدرة كما قاله الأولون ، بل حقيقىة التردد أنه : تردد الإرادة في أي الأمرين أصلح للعبد أو في أي الأمرين أوفق للحكمة أو نحو ذلك أو تردد الإرادة في المصلحة المقتضية لذلك .
وتردد الإرادة ليس ناشئاً عن الجهل وعدم العلم أو نحو ذلك فهذا منزه عنه الرب جل وعلا وإنما هو ناشئ عن محبة الله لاختيار الأصلح لعبده لهذا وقع التردد بين الصالح والأصلح يعني : في الاختيار ، وإذا كان كذلك فإن التردد على هذا يكون كمالاً لأنه لم ينشأ عن جهل ولا عن عدم قدرة أو قوة وإنما هو راجع إلى الحكمة ومقتضى قدر الله وحكمة الله سبحانه . وهذا الثاني هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وعزاه إلى السلف وإلى مذهب سلف هذه الأمة .
الصفة الثالثة في الحديث قال : ( يكره الموت وأكره مسائته ) ووصف الله بأنه يكره جاء في القرآن والسنة في أحاديث كثيرة مثل قوله تعالى : ( وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)(التوبة: من الآية46) ، فكُره الله جل وعلا هذا يتعلق بالأعيان أي الذوات وبالصفات وهو صفة اختيارية ، وهو هنا في الحديث يتعلق بالمساءة (وأكره مساءته ولا بد له من ذلك )
والله اعلم