بسم الله الرحمن الرحيم
احبتي يهابه الناسُ فهو ظالِم متجبِّر معتدٍّ.
قد يكون ظلمُه بلسانه أو يده، وقد يكون باستخدام جاهِه وسُلطته.
لا يردُّه وعْظ ولا تذكير، فهو يحبُّ التطبيلَ والتخدير.
له رفقاء وأصدقاء، وأحبَّة وخُلطاء، لم ينصحوه بكلمةٍ ولم يرْدعوه بعبارة.
هذا هو حاله، وقد يكون حالي وحالك!
الظُّلم لم يسلَمْ منه أحد، فنحن نتجرَّع مرارته، أو نُجرِّعها لغيرنا، فسامِحْنا يا ربنا.
قد يَظلم الإنسانُ نفسَه شركًا بربه، ذلاًّ وخضوعًا لغير مولاه، يصرف
العبادة لسواه، فمصيره الخذلانُ والخلودُ في النيران إنْ لم يلحقْ بركب
المسلمين الموحِّدين لربِّ العالمين؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ
لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ
الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
قد يكون الظلمُ بين العبد
وربِّه، ذنوبًا ومعاصي، وآثامًا ومخالفات، فيعيش ضنكًا في حياته، ووحشةً
هو صنعها، وجفوةً هو سعى إليها، فيُقاسي ويُعاني، سواد المعصية يكسو وجهَه،
وضيق العيش يُطارده، والدواء مِن هذا الداء توبةٌ صادقة، ودمعة خاشعة؛ قال
تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
وقد يظلم الإنسانُ غيرَه تعديًا وتجاوزًا لحدِّه، فأخذ شيءٍ لا يحقُّ
له ظلمٌ، وغِيبة أخيه المسلم ظلم، الظنُّ السيِّئ بأخيه ظلم، الإيقاعُ بين
اثنين ظُلم، الحَلِف بغير الله لاغتصابِ حقوق الناس ظلم، سِحر الناس
وإيذاؤهم ظُلم، عدم العدْل بيْن الأبناء أو بيْن الزوجات ظُلم، غصبُ الأرض
ظلم؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ظَلَم قِيدَ شِبر
من الأرض طُوِّقه مِن سبع أرَضين))؛ متفق عليه، مماطلة مَن له حقٌّ ظلمٌ؛
قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَطْلُ الغنيِّ ظُلم))؛ متفق
عليه.
وقد يتجاوز الظلم
الإنسانَ المكرَّم بعقله ليصلَ للحيوان، ولنا في قصَّة المرأة التي دخلتِ
النار في هِرَّة عذَّبتْها لم تُطعمْها لتعيش، ولم تتركْها لتجد رِزقها؛
فماتتِ الهرَّة ودخلتِ المرأةُ النار بظلمها.
هي صورةٌ مِن صُور الظلم المتعدِّدة لن نستطيعَ أن نبسطها كلَّها، ولكن
هي عِبرة وعبارات، وزفرة وزفرات؛ علَّنا نصِل لعودة صادِقة لربِّ الأرض
والسماوات.
الظلم حَرَّمه الله على نفْسه وجعَله بيننا محرَّمًا، فقال - سبحانه
وتعالى - فيما رواه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث
القدسي: ((يا عبادي، إني حَرَّمتُ الظلم على نفْسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا،
فلا تَظالَموا))؛ رواه مسلم.
الظُّلم ظلماتٌ يومَ القيامة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((اتَّقوا
الظلمَ؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشح
أهْلَك مَن كان قبلكم، حمَلهم على أن سَفَكوا دماءَهم واستحلُّوا
محارمَهم))؛ رواه مسلم.
الظلم يَظلم حياةَ الفرد فتصبح بلا معنًى ولا هدَف.
الظلم صورةٌ لفساد داخل الفرْد، ونتاج لشخصيَّة أنانيَّة متوتِّرة ومتسلِّطة.
الظُّلم عالم قاسٍ ومؤلِم ومظلم يُعانيه مَن عايشه، فالظالم رغمَ قسوته
وقوَّته يصارع الألَم الدائم في حياته وبعدَ مماته إنْ لم يتب ويعُد،
وشتَّانَ بين قلْب نام مظلومًا يلتجئ لربِّه، ويتقلَّب بدعواتٍ صادقات
فُتِحت لها أبواب السماوات، وبين قلبٍ قاسٍ غافل ظالِم؛ قال رسولُ الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا دعوةَ المظلوم، فإنَّها ليس بيْنها
وبيْن الله حِجابٌ))؛ البخاري ومسلم.
شتَّان بيْن عبد ظَلَم
نفسه بالمعاصي، وظلَّ تحت راية الإسلام يُقرُّ بذنبه، وبيْن عبد لم يعرفْ
نورَ الإسلام والقُرب من الرحمن، وظلَّ شريدًا تائهًا يتقلَّب بيْن شهوات
حيوانيَّة، وأعمال شركيَّة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ
يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].
فيا ربِّ، كُن لنا عونًا في هذه الدنيا، واجعلنا متمسِّكين بالدِّين،
ومتَّبعين لمنهج سيِّد المرسلين، واختمْ لنا بالخير يا ربِّ العالمين.
هدى:
قال تعالى: و﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ
إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42 - 43].
نور من السنة:
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((عُذِّبتِ امرأة في هِرَّة حبستْها حتى ماتتْ جوعًا، فدخلتْ فيها النار))؛ رواه البخاري ومسلم.
حبستْها؛ أي: بدون طعام.
وقفة:
الظلم أسرعُ شيءٍ إلى تعجيلِ نِقمة، وتبديل نِعمة!