تفسير الطبرى للأية
قال تعالى
” فمن شهد منكم الشهر فليصمه”.
سورة البقرة الآية 185.
ظلت الدول الإسلامية ولازالت تعتمد رؤية الهلال بالعين المجردة بناء على
” فمن شهد منكم الشهر فليصمه”. قلت لأحدهم: هل رأيت الهلال ؟ قال:
لا! قلت: ولماذا أنت صائم ؟ قال: رآه أناس عدول غيري. رغم أن الأمر فرض
عين كما تشير إلى ذلك الآية فإن زميلي فضل أن يعتمد على غيره. لنلاحظ أن كلمة
” شَهِد” ليست هي “شاهد” وتعني في كثير من التفاسير ” حضر”(1) وكلمة
” شَهْـر” عدة أيام وهي ثلاثون يوما ( تُعرب تمييزا للعدد)
ولا تعني الهلال الذي هو حالة للقمر. مما يعني أن الآية تفيد المعنى الآتي:
” من حضر منكم أيام رمضان فليصمها”. لهذا سنعتمد على الحديث:
” صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته “ بغض النظر عن المشككين في صحته.
رغم أن هذا الأمر بديهي جدا- إذ لا يمكن للناس أن يصوموا قبل رأيته-
فإن الحديث يؤكد عليه. وما أكد عليه إلا ليكون فرض عين، ولئلا يصوم أحد إلا إذا شَهد الشهر !
وإذا لم يكن الأمر فرض عين فإنه إذن للتخصيص انسجاما مع المعنى الآخر
الذي هو الحضور أيام رمضان أي ” من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج” (2).
إنما الاجتهاد للفقهاء ورجال تسيير الشؤون الدينية وما أنا إلا مُطالِـب
بالرد على هذا الاستفهام واللبس الذي من خلاله أريد أن أمضي إلى أمر أهم
وهو أن رؤية الهلال لم تبق من اختصاص الناس – منذ أن ظهر المذياع على الأقل-
الذين كانوا يخرجون جماعات إلى المرتفعات ليراقبوه جميعا. إن الاتكال على
الحكام أمر حديث العهد وفيه تبديل عملي لفرض عين إلى فرض كفاية أو أقل.
لكن هذا المسلم الذي اعتبر الحكام من العدول الذين يثق فيهم خذلوه
. فكم مرة تم الإعلان عن رؤية الهلال ولما يظهر بعد !!
وكم مرة تأخرت رؤيته لتكاسُلِ ” العدول” في مراقبته.
إن المشكلة ليست في رؤية الهلال ولستُ في حاجة للدخول
في جدل الفقهاء لأثبت تهافتهم، وإنما في عقلية الإنسان المسلم المتناقض
مع نفسه والذي يفضح نفسه بنفسه ومع ذلك يستمرئ اللعبة لعدة قرون
كأن ذاكرته تنمحي عند رأس كل سنة هجرية. قلت لزميلي في العمل بمونتريال
وهو صائم قبل أن يظهر الهلال: لماذا أنت صائم ؟ هل رأيت الهلال ؟ رد علي بوثوق :
رآه أهل الثقة في بلدي( بلد عربي) . رددت عليه: الله ينزَّلْ اعْليهُم لَمْسَخْ صبَّا صبَّا!!
. كيف رأوه وهو لم يظهر بعد؟؟ استغرب واستنكر أن أشتم حكام بلده ورماني
بالشيوعية ورمى المغرب ( بلدي) بالعلمانية ودافع بيديه وأسنانه ولسانه
عمن كان يعتبرهم أمس حكاما جائرين. نعم! إنهم جورة مفسدون
كما يراهم حين يتحدث عن سبب هجرته، لكنهم يتحولون إلى
“عدول” حينما يتعلق الأمر برؤية هلال رمضان.
لم يكن من الممكن الحديث عن هذا الموضوع سابقا في البلاد العربية.
الغريب والأنكى أن جمعيات فلكيين مغاربة وجزائريين وتونسيين
اقترحوا غير ما مرة معارفهم العلمية لإيقاف هذه المهزلة لكن أهل
” الحل والعقد” رفضوا دائما ولم يستسلموا للحوار إلا حين فضحتهم وكالة
” نازا ” الأمريكية وخاصة العم غوغل الشهير حين أصبح كل فرد قادرا
على تتبع حالات القمر بنفسه والتأكد علميا مما إذا كان ممكنا
رؤيته أم لا، وما إذا كان الحاكم ” العدل” قد تهاون في مراقبته أم لا.
ربما كان بيت القصيد في هذا المقال هو إطلاع كل من لا يعرف حكامه ” العدول”
على حقيقتهم، ومساعدته على التأكد بنفسه من خلال الكادجيت التالي الذي يمكن
إضافته إلى صفحة الواجهة ( front page) في الغوغل وتتبع حالات القمر
كل يوم. بل، بواسطة برنامج خاص، يمكن معرفة لحظة مولد القمر
في كل شهر للسنوات القادمة. قليلا من الحياء يا فقهاء الحكام فقد بلغ السيل الزبى.
أو ربما كان بيت القصيد أبعد مرمى. يصب فيما أشير إليه دائما من أن العلم والتقدم
التكنولوجي وحدهما قمينان بفضح المهيمن وفك أسوار العزلة على الشعوب ليتحرروا
من حظائرهم. الأفكار وحدها ( بما هي إيديولوجيا ) لا تجدي نفعا حتى وإن
كانت صائبة لأن الشعب قليل التفكير إن لم يكن عديمه، ومرهون بقوة الأشياء
إلى سيده الذي يفكر له. بينما العلم والتكنولوجيا
هما المعول القادر على تحطيم كل أسوار الاستعباد.
1- شواهد على أن “شهد” بمعنى حضر:
- تفسير الجلالين: فَمَنْ شَهِدَ ” حَضَرَ” مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ
وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر” تَقَدَّمَ مِثْله وَكُرِّرَ
لِئَلَّا يُتَوَهَّم نَسْخه بِتَعْمِيمِ مَنْ شَهِدَ ” يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر.
- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ .
- الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
- قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ.
- وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَـهِدُوا خَلْقَهُمْ ؟
وفي قراءة أخرى ( ورش عن نافع): وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِندَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشْـهِدُوا خَلْقَهُمْ .