ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على
النهار، تذكرة لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوى الألباب والاعتبار، الذى أيقظ
من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبته وإدامه الإفكار، وملازمة
الاتعاظ والادكار، ووفقهم للدأب في طاعته، والتأهب لدار القرار، والحذر مما يسخطه
ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار.
أحمده أبلغ حمدٍ وأزكاه وأشمله وأنماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤف الرحيم،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبة وخليله، الهادى إلى صراط مستقيم، والداعى إلى
دين قويم. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبين، وآل كل، وسائر الصالحين.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: {وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات: 56،75] وهذا
تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ
الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلادٍ، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع
انفصام لا موطن دوام. فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل النار فيها
هم الزهاد. قال الله تعالى: {إنما مثل
الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام
حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً
أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون}
ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قال اللَّه تعالى: {إن
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا
إِلاَّ سَتَرهُ اللَّه يَوْمَ الْقيامَةِ » رواه مسلم .
وعنه قال : سمِعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم يقول : « كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجاهرينَ ، وإِنَّ
مِن المُجاهرةِ أَن يعمَلَ الرَّجُلُ بالليلِ عمَلاً ، ثُمَّ يُصْبحَ وَقَدْ
سَتَرهُ اللَّه عَلَيْهِ فَيقُولُ : يَا فلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كذَا وَكَذَا
، وَقَدْ بَاتَ يَسْترهُ ربُّهُ ، ويُصْبحُ يَكْشفُ سِتْرَ اللَّه » متفق
عليه .
وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذَا
زَنَتِ الأَمةُ فَتبينَ زِناهَا فَليجلدْها الحدَّ ، ولا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ،
ثمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّانية فَلْيجلدْها الحدَّ ولا يُثرِّبْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ
إِنْ زَنتِ الثَّالثةَ فَلْيبعَها ولوْ بِحبْلٍ مِنْ شعرٍ » متفق عليه . «التَّثْرِيبُ»
: التَّوْبيخُ .
وعنه قال : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم بِرجلٍ قَدْ شرِب خَمْراً قال : « اضْربُوهُ» قال
أَبُو هُرَيْرةَ : فمِنَّا الضَّارِبُ بِيدهِ والضَارِبُ بِنَعْله ،
والضَّارِبُ بِثوبِهِ . فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال بعْضُ الْقَومِ : أَخْزاكَ اللَّه
، قال : لا تقُولُوا هَكَذا لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطان »
مفهوم
العورة في القرآن الكريم
العورات في القرآن ثلاث : عورة مكان وعورة زمان وعورات
النساء.
العورة ابتداء بتتبع الكلمة في القرآن هي الشيء
الذي تجب حمايته لأن عدم حمايته تستتبع وقوع الضرر ، فكل ما لا يحق لكل الناس هو
عورة لانسان.
والعورة بعامة تشمل ما يسوء الانسان
انكشافه او نيله سواء كان من بدنه أو من أسرار حياته الخاصة أو علاقته بزوجه او من
ماله وما يملك .
وردت العورة في القرآن الكريم في مواضع ثلاث ،
فحددت ثلاث عورات هي عورة مكان وعورة زمان وعورات النساء.
أما التعريف السائد للعورة بأنها للرجل من سرته إلى
ركبته وللمرأة كل بدنها عدا الوجه والكفين فخاطئ جملته وتفصيله ومناقض تماماً لنص
القرآن نفسه ، وسنأتي إلى بيان ذلك .
هذه المواضع هي:
أولاً: عورة المكان
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل :
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ
يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن
يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} الاحزاب 58
فهل البيوت هنا من جسم الانسان؟
العورة هنا مكان ؛ هو البيت ، وهم يستأذنون بأن بيوتهم
عورة أي انها تقبل الاعتداء عليها على العورة التي هي بالأصل كما عرفناها هي الشيء
الذي تجب حمايته لأن عدم حمايته يستتبع وقوع الضرر ، وهنا البيوت إذن عورة ؛ في
الدارجة نقول البيوت أسرار مثلا ، يقول القرطبي في اطار تفسيره في هذه الآية :
" حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي
عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَيَسْتأْذِنُ
فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِـيّ... } إلـى قوله { إلاَّ فِرَاراً } قال:
هم بنو حارثة، قالوا: بـيوتنا مخـلـية نـخشى علـيها السرق.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى
وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن
مـجاهد، قوله: { إنَّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ } قال: نـخشى
علـيها السرق."
فالعورة قد تكون مكاناً تتوجب حمايته كالبيت.
وأما المورد الثاني فمورد العورة الزمان (النوع الثاني
من العورات) ، وهي الوقت الخاص الذي لا يجوز اقتحامه على المرء يقول الحق في محكم
التنزيل :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ
وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ
وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ،
نلاحظ هنا توظيفه المصطلح ثلاث عورات لكم ، وهنا العورة غير العورة التي تكلم عنها
في نفس السورة في الآية 31 ، فهذا الوقت عورة على على ملك اليمين وعلى من لم يبلغ
الحلم بينما العورة في الآية 31 ليست عورة على هؤلاء . والعورة في الآية الخاصة
بعورة الزمان هي عورة زمانية وليست جزء أو كل موصوف من جسد أو مادة فيجب الاستئذان
فيها عند الدخول على المرء (رجل كان أو امرأة)حتى من قبل من لم يظهروا على عورات
النساء الذين حددتهم الآية 13 من سورة النور فيما يختص بعورات النساء.
العورة الثالثة إذن هي التي تختص بعورات النساء والتي
تكلمت عنها الآية 31 من سورة النور
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ
أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
والخطأ الذي شاع عند المفسرين أغفالهم لنقطة في منتهى
الأهمية هي قوله: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء}
والعجيب الخطأ الذي يقع فيه القرطبي وغيره من المفسرة
عندما يقصرون من لم يظهر على عورة النساء على الطفل ، قلت : كيف الطفل مفرد ثم
الكلام جمعاً :الذين لم يظهروا على عورات النساء؟!!!!
هنا الذين تعود على كل من سبق وهو الصواب عقلاً ولغة ،
ذلك أن (أو) هنا حرف عطف ؛ وذلك أيضاً أنه يقول الذين لم يظهروا فالكلام جمع ولو
كان الحديث على الطفل لقال الذي لم يظهر .
لكن المشكلة الكبرى التي لا يستطيع المفسر مواجهتها
عندما يجعل العورة هنا بدن او عضو هي تماماً مشكلة الظهور ولهذا لجأ حتى ينسجم
قوله إلى جعل الذين لم يظهروا على عورات النساء الطفل حصراً لأنه كيف سيتعامل إذن
مع كون الزوج لم يظهر على عورة النساء؟!!!!!
لاحظ جيدا الجزء من الآية مرة أخرى :{......
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ
آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي
الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاء....}
كيف لم يظهر الرجل على عورة زوجته وكيف لم يظهر محارمها
على عورتها لو صح القول بأنها البدن او بعض البدن؟؟؟
فلا يمكن بحال هنا ان نعتبر الظهور هو الرؤية وإلا لاختل
المعنى القرآني تماماً وهذا غير ممكن إذ كيف لا يظهر الرجل على عورة زوجته؟
فلا الظهور هنا بمعنى الرؤيا وإلا لما كان الرجل يرى
عورة زوجته إن كانت العورة بدنية ، ولا الظهور هنا بمعنى عدم التميز لأنه لا يجوز
القصر هنا على الطفل وإلا لقال الذي لا يظهر فالطفل مفرد.
إذن ما هو الظهور إن لم يكن الرؤية بالعين ؟
الظهور كفعل في القرآن ورد على النحو التالي:
التوبة (آية::
كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمه
يرضونكم بافواههم وتابى قلوبهم واكثرهم فاسقون
التوبة (آية:33):
هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون
التوبة (آية:48):
لقد ابتغوا الفتنه من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق
وظهر امر الله وهم كارهون
الكهف (آية:20):
انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم ولن
تفلحوا اذا ابدا
الكهف (آية:97):
فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا
الظهور في معنى الفعل في كل الموارد معنى في القرآن
اقترن بالقدرة والتغلب والفرض عندما يكون الطرف الذي يظهر عليه الظاهر كارها
رافضاً لظهوره عليه سواء كان هذا الظهور انتصارا عسكرياً أو معنوياً أو كشفاً أو
اهانة أو فضحاً يعني فعل ينجم عنه ايذاء بشكل عام ، فالرجل لا يظهر على عورة زوجه
لأن انكشاف عورتها له ليس عنوة ولا بغير حق ولا يمثل ذلك فضح لها أو اهانة ان
تنكشف عورتها لمحارمها وزوجها و للطفل فهم لا يظهرون على عورات المرأة هنا.
فالعورة معنى عام وليست بدنية تحصر بموصوف الاعضاء
ويندرج تحتها ما نسميه بأسرار البيوت والأمور التي لا يجب انكشافها للأجنبي
بالنسبة للمرأة وإن جاز القول أن الاعضاء التناسلية للانسان هي من عوراته لأنها من
نقاط ضعفه التي يساء بانكشافها ويعاب .
والله أعلم
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على
النهار، تذكرة لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوى الألباب والاعتبار، الذى أيقظ
من خلقه من اصطفاه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبته وإدامه الإفكار، وملازمة
الاتعاظ والادكار، ووفقهم للدأب في طاعته، والتأهب لدار القرار، والحذر مما يسخطه
ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار.
أحمده أبلغ حمدٍ وأزكاه وأشمله وأنماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤف الرحيم،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبة وخليله، الهادى إلى صراط مستقيم، والداعى إلى
دين قويم. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبين، وآل كل، وسائر الصالحين.
أما بعد: فقد قال الله تعالى: {وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات: 56،75] وهذا
تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ
الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفادٍ لا محل إخلادٍ، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع
انفصام لا موطن دوام. فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل النار فيها
هم الزهاد. قال الله تعالى: {إنما مثل
الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام
حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً
أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون}
ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قال اللَّه تعالى: {إن
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} .
وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا
إِلاَّ سَتَرهُ اللَّه يَوْمَ الْقيامَةِ » رواه مسلم .
وعنه قال : سمِعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم يقول : « كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجاهرينَ ، وإِنَّ
مِن المُجاهرةِ أَن يعمَلَ الرَّجُلُ بالليلِ عمَلاً ، ثُمَّ يُصْبحَ وَقَدْ
سَتَرهُ اللَّه عَلَيْهِ فَيقُولُ : يَا فلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كذَا وَكَذَا
، وَقَدْ بَاتَ يَسْترهُ ربُّهُ ، ويُصْبحُ يَكْشفُ سِتْرَ اللَّه » متفق
عليه .
وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذَا
زَنَتِ الأَمةُ فَتبينَ زِناهَا فَليجلدْها الحدَّ ، ولا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ،
ثمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّانية فَلْيجلدْها الحدَّ ولا يُثرِّبْ عَلَيْهَا ، ثُمَّ
إِنْ زَنتِ الثَّالثةَ فَلْيبعَها ولوْ بِحبْلٍ مِنْ شعرٍ » متفق عليه . «التَّثْرِيبُ»
: التَّوْبيخُ .
وعنه قال : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم بِرجلٍ قَدْ شرِب خَمْراً قال : « اضْربُوهُ» قال
أَبُو هُرَيْرةَ : فمِنَّا الضَّارِبُ بِيدهِ والضَارِبُ بِنَعْله ،
والضَّارِبُ بِثوبِهِ . فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال بعْضُ الْقَومِ : أَخْزاكَ اللَّه
، قال : لا تقُولُوا هَكَذا لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطان »
مفهوم
العورة في القرآن الكريم
العورات في القرآن ثلاث : عورة مكان وعورة زمان وعورات
النساء.
العورة ابتداء بتتبع الكلمة في القرآن هي الشيء
الذي تجب حمايته لأن عدم حمايته تستتبع وقوع الضرر ، فكل ما لا يحق لكل الناس هو
عورة لانسان.
والعورة بعامة تشمل ما يسوء الانسان
انكشافه او نيله سواء كان من بدنه أو من أسرار حياته الخاصة أو علاقته بزوجه او من
ماله وما يملك .
وردت العورة في القرآن الكريم في مواضع ثلاث ،
فحددت ثلاث عورات هي عورة مكان وعورة زمان وعورات النساء.
أما التعريف السائد للعورة بأنها للرجل من سرته إلى
ركبته وللمرأة كل بدنها عدا الوجه والكفين فخاطئ جملته وتفصيله ومناقض تماماً لنص
القرآن نفسه ، وسنأتي إلى بيان ذلك .
هذه المواضع هي:
أولاً: عورة المكان
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل :
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ
يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ
النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن
يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} الاحزاب 58
فهل البيوت هنا من جسم الانسان؟
العورة هنا مكان ؛ هو البيت ، وهم يستأذنون بأن بيوتهم
عورة أي انها تقبل الاعتداء عليها على العورة التي هي بالأصل كما عرفناها هي الشيء
الذي تجب حمايته لأن عدم حمايته يستتبع وقوع الضرر ، وهنا البيوت إذن عورة ؛ في
الدارجة نقول البيوت أسرار مثلا ، يقول القرطبي في اطار تفسيره في هذه الآية :
" حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي
عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَيَسْتأْذِنُ
فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِـيّ... } إلـى قوله { إلاَّ فِرَاراً } قال:
هم بنو حارثة، قالوا: بـيوتنا مخـلـية نـخشى علـيها السرق.
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى
وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن
مـجاهد، قوله: { إنَّ بُـيُوتَنا عَوْرَةٌ } قال: نـخشى
علـيها السرق."
فالعورة قد تكون مكاناً تتوجب حمايته كالبيت.
وأما المورد الثاني فمورد العورة الزمان (النوع الثاني
من العورات) ، وهي الوقت الخاص الذي لا يجوز اقتحامه على المرء يقول الحق في محكم
التنزيل :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ
وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ
وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ،
نلاحظ هنا توظيفه المصطلح ثلاث عورات لكم ، وهنا العورة غير العورة التي تكلم عنها
في نفس السورة في الآية 31 ، فهذا الوقت عورة على على ملك اليمين وعلى من لم يبلغ
الحلم بينما العورة في الآية 31 ليست عورة على هؤلاء . والعورة في الآية الخاصة
بعورة الزمان هي عورة زمانية وليست جزء أو كل موصوف من جسد أو مادة فيجب الاستئذان
فيها عند الدخول على المرء (رجل كان أو امرأة)حتى من قبل من لم يظهروا على عورات
النساء الذين حددتهم الآية 13 من سورة النور فيما يختص بعورات النساء.
العورة الثالثة إذن هي التي تختص بعورات النساء والتي
تكلمت عنها الآية 31 من سورة النور
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ
أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
والخطأ الذي شاع عند المفسرين أغفالهم لنقطة في منتهى
الأهمية هي قوله: {الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء}
والعجيب الخطأ الذي يقع فيه القرطبي وغيره من المفسرة
عندما يقصرون من لم يظهر على عورة النساء على الطفل ، قلت : كيف الطفل مفرد ثم
الكلام جمعاً :الذين لم يظهروا على عورات النساء؟!!!!
هنا الذين تعود على كل من سبق وهو الصواب عقلاً ولغة ،
ذلك أن (أو) هنا حرف عطف ؛ وذلك أيضاً أنه يقول الذين لم يظهروا فالكلام جمع ولو
كان الحديث على الطفل لقال الذي لم يظهر .
لكن المشكلة الكبرى التي لا يستطيع المفسر مواجهتها
عندما يجعل العورة هنا بدن او عضو هي تماماً مشكلة الظهور ولهذا لجأ حتى ينسجم
قوله إلى جعل الذين لم يظهروا على عورات النساء الطفل حصراً لأنه كيف سيتعامل إذن
مع كون الزوج لم يظهر على عورة النساء؟!!!!!
لاحظ جيدا الجزء من الآية مرة أخرى :{......
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ
آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي
الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاء....}
كيف لم يظهر الرجل على عورة زوجته وكيف لم يظهر محارمها
على عورتها لو صح القول بأنها البدن او بعض البدن؟؟؟
فلا يمكن بحال هنا ان نعتبر الظهور هو الرؤية وإلا لاختل
المعنى القرآني تماماً وهذا غير ممكن إذ كيف لا يظهر الرجل على عورة زوجته؟
فلا الظهور هنا بمعنى الرؤيا وإلا لما كان الرجل يرى
عورة زوجته إن كانت العورة بدنية ، ولا الظهور هنا بمعنى عدم التميز لأنه لا يجوز
القصر هنا على الطفل وإلا لقال الذي لا يظهر فالطفل مفرد.
إذن ما هو الظهور إن لم يكن الرؤية بالعين ؟
الظهور كفعل في القرآن ورد على النحو التالي:
التوبة (آية::
كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمه
يرضونكم بافواههم وتابى قلوبهم واكثرهم فاسقون
التوبة (آية:33):
هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله ولو كره المشركون
التوبة (آية:48):
لقد ابتغوا الفتنه من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق
وظهر امر الله وهم كارهون
الكهف (آية:20):
انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم ولن
تفلحوا اذا ابدا
الكهف (آية:97):
فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقبا
الظهور في معنى الفعل في كل الموارد معنى في القرآن
اقترن بالقدرة والتغلب والفرض عندما يكون الطرف الذي يظهر عليه الظاهر كارها
رافضاً لظهوره عليه سواء كان هذا الظهور انتصارا عسكرياً أو معنوياً أو كشفاً أو
اهانة أو فضحاً يعني فعل ينجم عنه ايذاء بشكل عام ، فالرجل لا يظهر على عورة زوجه
لأن انكشاف عورتها له ليس عنوة ولا بغير حق ولا يمثل ذلك فضح لها أو اهانة ان
تنكشف عورتها لمحارمها وزوجها و للطفل فهم لا يظهرون على عورات المرأة هنا.
فالعورة معنى عام وليست بدنية تحصر بموصوف الاعضاء
ويندرج تحتها ما نسميه بأسرار البيوت والأمور التي لا يجب انكشافها للأجنبي
بالنسبة للمرأة وإن جاز القول أن الاعضاء التناسلية للانسان هي من عوراته لأنها من
نقاط ضعفه التي يساء بانكشافها ويعاب .
والله أعلم