ما هي الأشهر الحرم ؟ ولم سميت بذلك ؟ وما هو
فضل شهر رجب ؟ وما حكم الصيام فيه ؟ يقول الله
تعالي "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ
اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ
خَلَقَ
السَّمَاوَات
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ
تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ
الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي
الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ
يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ
فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ
سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ "
أولا ما هي الأشهر الحرم ؟ ولم
سميت بذلك ؟
في سنن أبي داوود من حديث أبي بكرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم خطب في حجته فقال إن الزمان قد
استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة
اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم
ثلاث متواليات ذو
القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى
وشعبان "
فوله تعالى ذلك الدين القيم أي الحساب الصحيح
والعدد المستوفي
قوله تعالى فلا تظلموا فيهن أنفسكم على قول ابن
عباس راجع إلى جميع الشهور وعلى قول بعضهم إلى
الأشهر الحرم خاصة لأنه إليها أقرب ولها مزية في
تعظيم الظلم لقوله تعالى فلا رفث
ولا فسوق ولا
جدال في الحج لا أن الظلم هذه الأيام جائز على ما
نبينه ثم قيل في الظلم قولان أحدهما لا تظلموا
فيهن أنفسكم بالقتال ثم نسخ بإباحة القتال في جميع
الشهور قاله قتادة وعطاء
الخرساني والزهري وسفيان
الثوري وقال ابن جريج حلف بالله عطاء بن أبي رباح
أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر
الحرم إلا أن يقاتلوا فيها وما نسخت والصحيح الأول
لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين
وثقيفا بالطائف وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة
وقد تقدم هذا المعنى في البقرة
الثاني لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب لأن
الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له
حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته
متعددة فيضاعف فيه العقاب
ومعناه السيء كما يضاعف
الثواب ومعناه الصالح فإن من أطاع الله في الشهر
الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه
في الشهر الحلال في البلد الحرام ومن أطاعه في
الشهر
الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من
أطاعه في شهر حلال في بلد حلال وقد أشار تعالى إلى
هذا بقوله تعالى يا نساء النبي من يأت منكم بفاحشة
مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين
وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في
الشهر الحرام خطأ هل تغلظ عليه الدية أم لا فقال
الأوزاعي القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية
فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا قال
الشافعي
تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام
وفي البلد الحرام وذوي الرحم وروي ذلك عن عثمان بن
عفان أيضا وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن
أبي ليلى القتل في
الحل والحرام سواء وفي الشهر
الحرام وغيره سواء وهو قول جماعة من التابعين وهو
الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن الديات
ولم يذكر فيها الحرم ولا الشهر الحرام وأجمعوا
أن
الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره
سواء فالقياس أن تكون الدية كذلك والله أعلم
لطيفة : ـ إنما أراد الله تعالي أنه يحرم هذه
الشهور ليستشعر الإنسان حلاوة العدل فيزيد إيمانه
فيرجع عن الظلم أبدا
لماذا خص الله تعالي هذه الأشهر بالذكر دون غيرها
من الشهور ؟؟
خص الله تعالى الأربعة الأشهر بالذكر ونهى عن
الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل
الزمان كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
على هذا أكثر أهل التأويل أي لا تظلموا
في الأربعة
الأشهر أنفسكم
ولا يقال كيف جعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض
؟؟؟؟؟ فإنا نقول للباري تعالى أن يفعل ما يشاء
ويخص بالفضيلة ما يشاء ليس لعمله علة ولا عليه حجر
بل يفعل ما يريد بحكمته وقد
تظهر فيه العلة وقد
تخفى
الأشهر الحرم
• هي أربعة أشهر كما قال الله: إِنَّ عِدَّةَ
ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً
فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت
وَٱلأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وقد فصّل
النبي صلى الله عليه وسلم ما أجمله القرآن،
وبيَّن
أن هذه الأشهر هي: رجب وذو القعدة وذو الحجة
ومحرم، قال صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد
استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة
اثنا عشر شهراً، منها أربعة
حرم، ثلاث متواليات:
ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين
جمادى وشعبان أخرجه البخاري في بدء الخلق ومسلم في
القسامة من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
• وأكَّد حرمة شهر ذي الحجة
فقال في حجة الوداع: أي شهر هذا قالوا: الله
ورسوله أعلم، قال: شهر حرام قال: فإن الله حرم
عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا،
في
شهركم هذا، في بلدكم هذا أخرجه البخاري من حديث
ابن عمر
• وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة، وذلك في قوله
تعالى: {ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ
ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ فَمَنِ
ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ} فالآية نزلت
في حبس
قريش للمسلمين عام الحديبية عن البيت في
شهر ذي القعدة الحرام، فاعتمر صلى الله عليه وسلم
عمرة القضاء في السنة التالية في شهر ذي القعدة
• وسُمي رجب برجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا
يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم
رجباً نفسه، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
الذي بين جمادى وشعبان
ليرفع ما وقع في اسمه من
الاختلال انظر: الجامع لأحكام القرآن
• كما كانت العرب تسميه:
منْصِل الأسنة، فعن أبي رجاء العطاردي قال:
فإذا دخل شهر رجب قلنا:
منْصِل الأسِنَّة، فلم ندع رمحاً فيه حديدة ولا
سهماً فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه أخرجه
البخاري في المغازي
• وكانوا يسمونه أيضا رجب الأصم لسكون أصوات
السلاح وقعقعته فيه انظر: تفسير الطبري
• والأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية، وسبب
تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج،
فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى
الحج ويسمونه القعدة لقعودهم
عن القتال فيه، ثم
يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم
يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم. وحرموا شهر
رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار،
فيأمن قاصد
البيت الغارة فيه انظر: تفسير القرآن
العظيم
• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((استدار كهيئته))،
قيل: إنه تثبيت منه صلى الله عليه وسلم لعدة
الشهور ومحلها، إذ كانت العرب تحج أكثر سنيها في
غير ذي الحجة، وقد وافق حج النبي صلى
الله عليه
وسلم حجهم في ذي الحجة. وقال ابن كثير: "أي الأمر
اليوم شرعاً كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم خلق
السموات والأرض" وهو الصحيح لأن الصديق عندما حج
إنما حج في ذي
الحجة، وقد سماه الله الحج الأكبر،
فالنسيء إنما كان في تأخير حرمة الشهر الحرام من
محرم إلى صفر أو غيره، لا في تغيير أسماء الشهور
انظر: تفسير ابن كثير
ما جاء في القرآن عن حرمة
الأشهر الحرم:
• قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ
ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ
ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدّينُ
ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ
أَنفُسَكُمْ} قوله: {عِندَ ٱللَّهِ} قال البغوي:
أي
في حكم الله، وقيل: في اللوح المحفوظ
• قوله: {فَلاَ تَظْلِمُواْ} فسروا الظلم بأنه فعل
المعاصي وترك الطاعات، واختلف في المراد بالظلم
على قولين أيضا: أحدهما: لا تظلموا فيهن أنفسكم
بتحليلهن، وقيل: بارتكاب الذنوب فيهن;
القتال في الأشهر الحرم:
اتفق العلماء على جواز دفع العدو وقتاله إذا
قاتلنا في الشهر الحرام، واختلفوا في تحريم
الابتداء بالقتال في الأشهر الحرم: هل نسخ أم لا؟
القول الأول: أنه منسوخ بقوله تعالى: وَقَاتِلُواْ
ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ
كَافَّةً وهذا هو الأشهر، فيجوز الابتداء بالقتال
في شهر حرام، فقد حاصر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل
الطائف في ذي القعدة، ورجحه القرطبي.
القول الثاني: أنه حرام لم ينسخ لقوله تعالى: لاَ
تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ
ٱلْحَرَامَ وقوله: الشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ
بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَـٰتُ قِصَاصٌ
فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ
عَلَيْكُمْ} وعن
جابر رضي الله عنهما: لم يكن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغزى أو
يُغزَوا، فإذا حضر أقام ذلك حتى ينسلخ أخرجه أحمد
والطبري في تفسيره ،
وهذا إسناد على شرط مسلم، قال
الهيثمي "رجاله رجال الصحيح".
وقالوا عن حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم
للطائف: إنما هو من تتمة قتال هوازن وأهل الطائف،
حيث جمعوا الرجال وتجهزوا للقاء النبي صلى الله
عليه وسلم وذلك في شوال، فكان
حصاره لهم أربعين
يوماً استكمالاً للقتال لا ابتداءً له
تغليظ الدية:
اختلف العلماء في تغليظ الدية في القتل في الشهر
الحرام:
القول الأول: قال الأوزاعي: القتل في الشهر الحرام
تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم، فتجعل دية
وثلثاً، ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل. وقال
الشافعي بتغليظ الدية في النفس والجراح،
وذلك مروي
عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والزهري
وغيرهم، كما روي ذلك في عثمان من الصحابة.
وروي عن عمر رضي الله
عنه إنه زاد ثلث الدية في الشهر الحرام أخرجه عبد
الله بن أحمد في زوائده علي المسند
القول الثاني: أن القتل في الحل والحرم سواء، وفي
الشهر الحرام وغيره سواء، وهو قول جماعة من
التابعين، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن
أبي ليلى، ورجحه القرطبي.
واستدل القرطبي لترجيحه بما سنّه رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الديات من غير أن يفرق بين
الحرم وغيره، وبين الشهر الحرام وغيره من الشهور.
صيام الأشهر الحرم:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في
استحباب وتخصيص الأشهر الحرم بالصيام.
وأما حديث أبي السليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها
أو عمها أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي
آخره قال له صلى الله عليه وسلم: ((صم من الحُرُم
واترك، صم من الحُرُم واترك، صم
من الحُرُم
واترك))، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها،
فحديث ضعيف أخرجه أحمد وأبو داود في الصوم واللفظ
له، ومجيبة الباهلية لم يرو عنها غير أبي السليل،
وأخرجه ابن ماجه في
الصيام بلفظ: وصم أشهر الحرم
لكن وقع فيه: عن أبي السليل عن أبي مجيبة الباهلي
عن أبيه أو عن عمه، على أنه رجل، وفي الكبرى
للنسائي عن أبي السليل عن مجيبة الباهلي عن عمه،
قال المنذري في مختصر سنن أبي داود "وقد وقع فيه
هذا الاختلاف كما تراه، وأشار بعض شيوخنا إلى
تضعيفه لذلك، وهو متوجه"،
وقد ورد عن بعض السلف مشروعية صيام الأشهر الحرم
كلها.
منهم ابن عمر، قال عبد الله
مولى أسماء: أرسلتني أسماء إلى ابن عمر أنه بلغها
أنك تحرم أشياء ثلاثة: العَلَم في الثوب وميثرة
الأرجوان وصوم رجب كله! فقال: أما ما ذكرتَ من صوم
رجب
فكيف بمن يصوم الأبد؟! وأما ما ذكرت من العلم
في الثوب فإني سمعت عمر رضي الله عنه يقول: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس الحرير
في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
أخرجه مسلم في
اللباس والزينة وأحمد واللفظ له. أي أنه لا يرى
صيام رجب إلا لمن يصوم الدهر، وقد نص على ذلك أحمد
انظر: المغني وقد ورد عن عدد من السلف صيام الأشهر
الحرم
جميعاً منهم الحسن البصري وأبو إسحاق
السبيعي، وقال الثوري: "الأشهر الحرم أحب إلي أن
أصوم فيها" انظر: لطائف المعارف
قال ابن تيمية: "أما تخصيص رجب وشعبان جميعاً
بالصوم أو الاعتكاف فلم يرد فيه عن النبي صلى الله
عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه، ولا أئمة
المسلمين... وأما صوم رجب بخصوصه
فأحاديثه كلها
ضعيفة بل موضوعة" مجموع الفتاوى
وصح عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب من يصوم عن
طعامه في رجب، ويقول: (كلوا، فإنما هو شهر كان
يعظمه أهل الجاهلية)
النسيء في الأشهر الحرم:
النسيء هو تأخير حرمة شهر من الشهور الحرام إلى
غيره من الشهور. وسبب النسيء أن العرب كان يشق
عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها،
فكانوا ينسؤون المحرم ليقاتلوا فيه،
وكانوا يعلنون
ذلك في شهر ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم
ليكون في ذلك بلاغ لكل العرب.وكانوا إذا أحلوا
شهراً من الحرام حرموا مقابله شهراً في الحلال
ليوافقوا العدد الذي جعله
حراماً؛ يُحِلُّونَهُ
عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لّيُوَاطِئُواْ
عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ واختلفوا في أول من
نسأ النسيء فقال ابن عباس وغيره في التابعين: هم
بنو مالك بن كنانة، وأولهم أبو ثمامة جناد بن عوف
الكناني. قال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني
كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان يكون أميراً
على الناس بالموسم، فإذا همّ الناس بالصدر قام
فخطب الناس فقال: لا مرد لما قضيت، أنا
الذي لا
أعاب ولا أجاب، فيقول له المشركون: لبيك، ثم
يسألونه أن ينسأهم شهراً يغيرون فيه، فيقول: فإن
صفر العام حرام، فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا
الأسنة والأزجة، وإن قال: حلال
عقدوا الأوتار
وشدوا الأزجة وأغاروا. وكان من بعده جنادة بن عوف
وقد أدركه النبي صلى الله عليه وسلم انظر: تفسير
البغوي
قال ابن العربي: "المسألة
الثانية: كيفية النسيء ثلاثة أقوال:
الأول: عن ابن عباس أن جنادة بن عوف بن أمية
الكناني كان يوافي الموسم كل عام, فينادي: ألا إن
أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب, ألا وإن صفرا العام
الأول حلال, فنحرمه عاما, ونحله عاما,
وكانوا مع
هوازن وغطفان وبني سليم. وفي لفظة أنه كان يقول:
إنا قدمنا المحرم وأخرنا صفرا, ثم يأتي العام
الثاني فيقول: إنا حرمنا صفرا وأخرنا المحرم; فهو
هذا التأخير.
الثاني: الزيادة; قال قتادة:
عمد قوم من أهل الضلالة فزادوا صفرا في الأشهر
الحرم, فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول: ألا إن
آلهتكم قد حرمت العام المحرم, فيحرمونه ذلك العام,
ثم يقوم
في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد
حرمت صفرا فيحرمونه ذلك العام, ويقولون: الصفران.
وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك نحوه، قال: كان
أهل الجاهلية يجعلونه صفرين, فلذلك
قال النبي صلى
الله عليه وسلم: ((لا صفر)) وكذلك روى أشهب عنه.
أخرجه البخاري في الطب ومسلم في السلام من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
الثالث: تبديل الحج; قال مجاهد
بإسناد آخر: {إِنَّمَا ٱلنَّسِىء زِيَادَةٌ فِى
ٱلْكُفْرِ} قال: حجوا في ذي الحجة عامين, ثم حجوا
في المحرم عامين, ثم حجوا في صفر عامين, فكانوا
يحجون في كل سنة
في كل شهر عامين حتى وافت حجة أبي
بكر في ذي القعدة, ثم حج النبي في ذي الحجة, فذلك
قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في
خطبته: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم
خلق الله
السماوات والأرض)) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه
كاتب المقال: فضيلة الدكتور - الشيخ أشرف الفيل
عالم من علماء الأزهر الشريف