بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير
:قوله تعالى
ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .
نزلت هذه الآية الكريمة في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وقد أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلق ليأتيهم بصدقات أموالهم فلما سمعوا به تلقوه فرحا به ، فخاف منهم وظن أنهم يريدون قتله ، فرجع إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وزعم له أنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتله ، فقدم وفد منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بكذب الوليد ، فأنزل الله هذه الآية ، وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره .
وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق ، وذلك في قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ، ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره .
وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين :
الأول منهما : أن الفاسق إن جاء بنبأ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب - فإنه يجب فيه التثبت .
والثاني : هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا بدل بدليل خطابه ، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبأ إن كان غير فاسق بل عدلا لا يلزم التبين في نبئه على قراءة : فتبينوا . ولا التثبت على قراءة : فتثبتوا ، وهو كذلك .
وأما شهادة الفاسق فهي مردودة كما دلت عليه آية النور المذكورة آنفا .
وقد قدمنا معنى الفسق وأنواعه في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك .
وقوله أن تصيبوا قوما أي لئلا تصيبوا قوما ، أو كراهة أن تصيبوا قوما بجهالة ، أي لظنكم النبأ الذي جاء به الفاسق حقا فتصبحوا على ما فعلتم من إصابتكم للقوم المذكورين نادمين لظهور كذب الفاسق فيما أنبأ به عنهم ; لأنهم لو لم يتبينوا في نبأ الوليد عن بني المصطلق لعاملوهم معاملة المرتدين ؟ ولو فعلوا ذلك لندموا .
وقرذا الحرف عامة السبعة غير حمزةأ ه والكسائى : فتبينوا بالباء التحتية الموحدة بعدها مثناة تحتية مشددة ثم نون ، وقرأه حمزة والكسائى " فتثبتوا " بالثاء المثلثة بعدها ياء تحتية موحدة مشددة ، ثم تاء مثناة فوقية .
والأول من التبين ، والثاني من التثبت .
ومعنى القراءتين واحد ، وهو الأمر بالتأني وعدم العجلة حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق .