فأما الزهد الفرض فالزهد عن الحرام .
وأما الزهد الفضل فالزهد في الحلال .
وأما الزهد السلامة فالزهد في الشبهات .
وقال الحسن رحمه الله : الزاهد هو الذي إذا رأى أحداً قال : هو أزهد مني.
ورحم الله القائل :
جـميــــع فوائـد الدنيا غــرور فلا يبقى لمسرور سرور
فقل للشامتين بنا استعدوا فـــإن نـوائب الدنيـا تـدور
*وسأل رجل الإمام أحمد أن يعظه، فقال الإمام:
إن كان الله قد تكفل بالرزق فاهتمامك بالرزق لماذا ؟!
وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا؟!
وإن كان الخلف على الله فالبخل لماذا ؟!
وإن كانت النار حقاً فالمعصية لماذا ؟!
وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟!
وإن كان الحساب حقاً فالجمع لماذا ؟!
وإن كان كل شئ بقضائه وقدره فالحزن لماذا ؟!
أيها العاصي :ازهد فى الدنيا تخلو من المعاصي.
أتعلم أن كل فعلك من أجل الدنيا ؟
أما تعلم أن عزها زائل، ولن تخرج منها إلا بالقطن والكفن ؟
انظر كم عريت أخاك المسلم لكي ترتدي أنت قميصه ؟
والله لسوف تخرج منها عرياناً.
فانظر إلى فعل بشر - رحمه الله - في الشتاء يرتعد، وثوبه معلق فقيل له، في مثل هذا الوقت تنزع ثوبك ؟
فقال: الفقراء كثير ولا طاقة لي بمواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملونه.
* وأتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة، فلم يكن عند بشر شئ فنزع قميصه فأعطاه له واستعار ثوباً فمات فيه، فخرج من الدنيا كما دخلها رحمه الله تعالى.
* ووجدته يوماً أخته وهو راقد على عتبة الباب ورجليه خارج الدار، فقالت له: منذ متى وأنت هكذا؟ فقال: منذ البارحة. فقالت: ولماذا لا تذهب للنوم؟
قال: لقد فكرت في بشر المجوسي، وبشر اليهودي، وبشر الحافي أيهم يدخل الجنة ؟!
هؤلاء هم المؤمنون - أيها العاصي - يجوعون ويشبع الناس، يبيعون ثيابهم ويكسون الناس، ويتفكرون وينام الناس، فيالسعادتهم برب الناس.أيها العاصي اترك الحرام ولا تتعلل بالعيش فالرزاق هو الله، والله لو اتقيت الله لأعطاك من حيث لا تحتسب، وانظر إلى ما فعله أبو مسلم الخولاني رحمه الله.
* كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله
يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان يتصدق بقوته ويبيت طاوياً، فأصبح يوماً وليس في بيته غير درهم واحد، فقالت له زوجته: خذ هذا الدرهم واتر به دقيقاً نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإنهم لا يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود وخرج إلى السوق، وكان الجو شديد البرودة، فصادفه سائل فتحوله عنه، فلحقه وألح عليه وأقسم عليه، فدفع له الدرهم وبقي في هم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة بغير شئ، فمر بسوق البلاط وهم ينشرونه ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه وأتى به إلى البيت فوضعه فيه على غفله من زوجته ثم خرج إلى المسجد فعمدت زوجته إلى المزود ففتحته فإذا فيه دقيق أبيض فعجنت منه وطبخت للأولاد فأكلوا وشبعودا ولعبوا فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته فلما جلس أتته بالمائدة والطعام فأكل، فلما فرغ قال: من اين لكم هذا؟ قالت: من المزود الذي جئت به أمس، فتعجب من ذلك وشكر الله على لطفه وكرمه.
انظر أيها العاصي إلى لطف الله، توكلوا عليه فكفاهم أمر دنياهم، ورزقهم من فضله وفعل معهم ماهو أهله .