استمرار على
العمل الصالح
يقول الله وعزَّ جلَّ: {قُلْ
إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(162) لاَ شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام:
162 - 163].
فحياةُ المؤمِنِ
كلُّها لله، كلُّها سعيٌ فيما يقرِّبه إلى اللهِ، كلُّها مَعمورَة
بطاعةِ الله، المؤمنَ حقًّا يوقن بأنّ اللهَ خلَقَه لعبادتِه،
واستخلفه في الأرض ليعمرها بطاعته، وحياة المؤمن لا تنفصِل عنِ
الخيرِ أبَدًا، فهي ما بَينَ أقوالٍ يقولها، وأفعال يفعلها،
واعتقادات يعتقدها، وهو بذلك يسابق سائر المخلوقات في العبادة،
ويتذكّر قولَ الله عزَّ وجلَّ في ملائكَتِه:{يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ
} [الأنبياء: 20]، فاللِّسان رطب من ذِكر الله والثناءِ عليه،
استغفارًا وتوبَةً وتعظيمًا لله، والجوارح منشغلة بطاعة الله من
صلاة وصدقةٍ وصوم وحجٍّ وبرّ وصِلَة وأمرٍ بالخير ونهيٍ عن الشرّ
ونصيحَة وتوجيه.المؤمنُ
حقًّا يعلَم أنّ حياتَه حياةُ العمَل واكتسابِ الفَضَائل، وأنّ
موسم هذا العمَل سينقضِي إذا فارقت الروح الجسد: "إذا مات ابن آدم
انقطع عمله"، ينقضي وقت العمل وموسم الزرع والغرس، ويبدأ موسم
الحصاد وجني الثمار،وعندها يفرح الصالحون بحسناتهم،
ويندم
المخطئون على سيئاتهم: {فَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا
كِتَابِيهْ (19)
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ
(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
(21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
(23) كُلُوا
وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
الْخَالِيَةِ (24)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا
لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ
(25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ
(26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ
الْقَاضِيَةَ (27)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ(28)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ
(29)} [الحاقة].
في هذِه الدّنيا
يتفاوَت العِباد، فمِن ساعٍ في زَكاةِ نفسِه وإسعَادِها في دارِ
القَرار، وتخليصِها من عذابِ النار، ومِن سَاعٍ في إهلاكها
وإِذلالها، فقد جاء في الحديثِ: (كلّ الناسِ يغدو؛ فبائعٌ نَفسَه
فمُعتِقُها أو موبِقها)وأثنى على المستقيمين بقوله: {إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
} [الأحقاف: 13]،
وبقوله: {إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
(30)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ
فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
} [فصلت: 30 - 32].
إنّ الاستقامةَ
الحقّة هي لزومُ المؤمِن للطّريق المستقيم، واستمرارُه على الأعمال
الصالحات، واجتنابُه المحرمات والمنهيات، ليس في وقت دون وقت، أو
زمان دون زمان، بل في كل وقت وحين. يقول الله تعالى محذِّرًا من
الانحراف بعد الهداية، والعودة إلى المعصية بعد الطاعة: {وَلاَ
تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنكَاثاً} [النحل: 92]، فالذي
يستقيمُ يومًا أو شَهرًا ثم ينحرِف عن الحقّ قد هدَم صالحَ عمله،
وأحرقَ حسناته، فأصبح شبيهًا بتلكمُ المرأة التي تُبرم غزلَها
أوَّلَ النهار وتنقضُه آخرَه، وذلك مثل من يجدُّ في مواسم الخير،
ويضاعفُ فيها الجهد طلباً لعظيم الأجر، فإذا انقضى الموسم عاد إلى
معاصيه،
فأبطل ما حصَّل
من عمل صالح، فالأجر والثواب في ذلك الموسِم ربما يضيع إذا عادَ
الإنسان إلى سَفَهه وغيِّه، وأفسد ما قدَّم من عملٍ صالح بعودته
إلى ما كان عليه من معاصٍ من أهمها ترك الصلاة أو التهاون فيها، أو
العودة إلى أكل الحرام وشرب الحرام والنظر الحرام والسمع الحرام
والقول الحرام والفعل الحرام. إن مواسِم الخير إنما شرعت ليضاعِف
المسلم الجهدَ ويزداد من الخير والتَقوَى، وإذا كان المسلم صادقاً
في العبادة بقيت آثارُها على حياته، وكانت معيناً له على
الاستمرارِ على الطاعة والبعدِ عن المعصية، واستبدالِ الأعمال
الصالحة بالأعمالِ السيئة، ومصاحبةِ الأخيار بدل المفسدين الأشرار،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلواتُ الخمس والجمعةُ إلى
الجمعة ورمضانُ إلى رمضانَ مكفِّراتٌ لما بينهنّ ما اجتُنِبت
الكبائر"
وهذا من فضل
الله أن يكفر صغائر الذنوب التي قد لا يتمكن الكثيرون من التحرز
منها، ببركة قبول العمل الصالح، مثل الصلوات الخمس والجمعة ورمضان،
فليحذر المسلم الانتكاسة بعد الهداية، والعودة للمعصية بعد الطاعة،
فإن للطاعة لذة من استشعرها فحري به أن يحرص عليها، وألا يفقدها.
إذا كنت - يا أخي الكريم - تؤمُّ المسجدَ في الأوقاتِ الخمسة وتحرص
على صلاةِ الجماعة: فجرًا وظهرًا وعصرًا ومغربًا وعِشاءً، فابقَ
على هذا العمَل الصالح ولا تهجر المسجدَ وتهمل الصلاةَ وتضيعها
بعدما ذُقتَ لذّة الطاعة؟! وإذا كنت تلوتَ كتابَ الله، وتدبرته،
ووقفتَ على ما فيه من وعدٍ ووعيد، وترغيبٍ وترهيب، وقصَص وغير ذلك،
فلا تزهد فيه وتعرض عنه، بل حافظ على تلاوته آناء الليل وأطراف
النهار؟! وإذا كنتَ ممن حافظ على النوافلِ من السنن الرواتب وصلاة
الضحى وقيام الليل، فواصل هذه العبادة الممتعة التي تخلو فيها
بخالقك، وتبث له شكواك، وتُسِرُّ إليه بحاجتك،
ولا تتركها
وتحرم نفسك منها؟! وإذا كنت تخلَّقتَ بالحِلم والصفحِ والإعراض عن
الجاهلين، وتحمَّلت مساوئَ أخلاق الآخرين، فليبقَ هذا خلُقًا لك
على الدّوام، ولا تعدْ إلى سرعة الغضب، وما ينتج عنه من سوء اللفظ
أو سوء العمل؟! وإذا كانت يدك قد جادَت بالخير وسحّت بالعطاء، رغبة
في نيل أجر المتصدقين، فاستمر على مساعدة الضعفاء والفقراء، ولا
تقبض يدك عن الخير، وتحرمها الثواب الجزيل والأجر العظيم؟! إن أحب
الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ، فلنحرص على العمل الصالح ما دامت
الأرواح في الأجساد، فلا حد لتوقف العمل إلا بانقضاء هذه الحياة
الدنيا، والله تعالى يقول: {وَاعْبُدْ
رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
} [الحجر: 99]. اللهم تقبَّل منّا أعمالنا، ووفِّقنا في مستقبَل
أمرنا لكلّ عملٍ يحبّه ويرضاه، واجعلنا ممن ذاقَ حلاوةَ الإيمان
واستقرَّ الخيرُ في نفسه واستمرَّ على صالح العمَل، إنّك على كلّ
شيءٍ قدير.
هل سألت نفسك أخي منذ متى عملت عملاً صالحاً خالصاً لوجه الله..!
كرر على نفسك السؤال وفكر فيه...
إن كثيرا من الناس لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال !
وكثير من الناس ربما يحرجون إذا سألوا أنفسهم هذا السؤال !
في قصة أصحاب الغار الذين دخلوا الغار فسُد عليهم باب الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم فوائد عظيمة
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ " متفق عليه
من هذه الفوائد :
1 - أن العمل الصالح سببٌ لتفريج الكربات :
فإذا وقعت في ضيق ففتش عن هذه الأعمال الصالحات وادعوا الله بها
فتش عن صدقةِ سرّ قمت بها بحيث لم تدر شمالك ما أنفقت يمينُك
فتش عن أخ ساعدته لله وآخر أطعمته لله وثالث كسوته لله
فتش عن ركعتين قمت بهما في جوف الليل لم يرك فيهما أحد
فتش عن سير إلى صلاة الفجر والناس نيام
فتش عن صيام يوم لا تريد به إلا وجه الله سبحانه وتذكر قول الله تعالى :
{18} وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى{21}
واعلم أنك لو فعلت هذه الأمور وغيرها ثم دعوت الله بها فإن الله سبحانه وتعالى سوف يرضيك ولا يسوؤك
2 - أن الإنسان كما يدخر النقود لأيامه القادمات فإنه كذلك يدخر العمل الصالح لكرباته الآتيات فمن تعرف على الله في الرخاء تعرف عليه في الشدة
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ " فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ :
" احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ " أحمد
3- أن مجال العمل الصالح واسع بشكل كبير لا يقتصر على صلاة وصدقة وصيام.
إنما يشمل كل نواحي الحياة..
فالبرّ عمل صالح والعفّة عمل صالح وأداء الأمانات عمل صالح وترك المحرمات عمل صالح وغض البصر عمل صالح وستر المسلمين عمل صالح وهذا من رحمة الله بهذه الأمة إذ ما من إنسان إلا ويوافق هواه نوعا من هذا السيل العارم من الأعمال الصالحة فقد يكون قيام الليل صعبا على بعض الأشخاص لكن خدمة المسلمين سهلة عنده وقد يكون صيام النّفل صعبا عند البعض لكن الصدقة سهلة عندهم وهكذا فلا تجد إنسانا إلا وقد وافق هواه نوعا من العمل الصالح وهذا من فضل الله ومّنته فإن الله سبحانه وتعالى لم يحصر العمل الصالح في نوع أو جهة أو زمان أو مكان حتى يوسع على هذه الأمة ويُكثّر المقبلين عليه سبحانه و إن سر النجاح أن يعرف المسلم أي الأعمال الصالحة هو قادر عليها متقن لها فيتمسك بها ويؤديها حتى تأتيه يوم القيامة منافحة عنه ومحاجة له .
لكن الكمال أن يمر المسلم من أمام كل عمل صالح فيوقع بقربه ليأتي يوم القيامة شاهدا له معترفا بأن فلانا قد مر من هنا
يمر أمام قيام الليل فيكتب اسمه ويمر من أمام الصدقات وقضاء الحوائج وستر العورات وحسن الخلق وصلاة الفجر في المسجد فيوقع بقرب كل عمل صالح أن فلانا قد مر من هنا وهو يطمع أن ينادى يوم القيامة من أبواب الجنان المختلفة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ: " نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " متفق عليه
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى :
( اعلم أنه لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله ولا ينبغي أن يتركه مطلقا بل يأتي بما تيسر منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بشيء فأتوا من ما استطعتم " متفق عليه ) الأذكار للإمام النووي
ومن فوائد العمل الصالح الأخرى أن الله سبحانه وتعالى اشترطه للحياة الطيبة والهنية والسعيدة ولم يشترط لها أي شرط آخر سوى الإيمان
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97
فإن كنت راغبا في الحياة السعيدة متشوقا لها فقدم العمل الصالح على راحة الرضا تأتيك الحياة الطيبة على طبق السعادة
ومن فوائد العمل الصالح أيضا أن الله جعله جسرا للتمكين في الأرض وجعله سببا للحصول على الأمن في الدنيا قبل الآخرة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55